د. ميخائيل عوض يكتب: ترامب ٩٠ يوماً نجاحات محدودة واخفاقات تنذر بمخاطر

بيان
(1)
“ترمب” ٢ جاء متحمساً حازماً عارفاً أهدافه، وعاًرفا أعدائه، فقد خاض حرباً طاحنة معهم لثماني سنوات، وتعلم الكثير، وتفحص الثغرات ونقاط القوة والضعف.
في ٩٠ يوماً أنجز سلسلة كبيرة من الخطوات والقرارات الرئاسية والقوانين والاجراءات التأسيسية، وأثار زوابع من الغبار والدخان، وألقى قنابل صوتية في كل الاتجاهات، فأثار عواصف في أرجاء العالم كله.
(2)
في محاربة وتفكيك الدولة العميقة وحكومة الشركات الخفية حقق ضربات ماحقة. فحلَّ وكالة التنمية الدولية، أحد أخطر وأهم أذرع لوبي العولمة، وفصل الآلاف من الموظفين وكادر البيروقراطية والمحسوبين على الحزب الديمقراطي في الدولة الاتحادية. وأطلق يد و”منشار ماسك” الذي أعاد تنظيم وهيكلة الحكومة ودور الدولة وطبيعتها ومهامها، ووضع آليات لتحديثها ورقمنتها، ليجعل منها رشيقة فاعلة تلبي الحاجات بأقل الأكلاف مع زمن الذكاء الصناعي والإدارة الشبكية والبلوك تشين (( Blockchain.
(3)
ألقى جبال في برك المياه الراكدة والآسنة، فأثار بقراراته التي تبدو ارتجالية -بينما في حقيقتها تنم عن ذكاء وحسن إدارة- الحروب العالمية العظمى فهزَّ أعماق الاقتصاد العالمي برمته، ووضعه أمام مخاطر الانهيار، وإعادة التشكيل، على أصول وأسس وفروع وقطاعات جديدة، وبأقل تقدير إعادة صياغة بوتقة تفاعلها على غير ما استقرت عليه منذ معاهدة “وستفاليا” ١٦٤٨، وصعود الاقتصاد الرأسمالي وهيمنته بنسخته “الانجلو ساكسونية”، التي بلغت ذروة التوحش مع الليبرالية وقواها، ونمطها العدواني والتدميري للبشر، وقيمهم وفطرتهم، وللحياة البشرية وللطبيعة والمناخ.
(4)
لا ارتجال أو عفوية أو حتى تجريبية في قرارات ترمب بما يخص الضريبة الجمركية، بل تكتيكات احترافية للعلاج بالصدمات أو” إدخال الخازوق على دفعات”. فالهدف جعل المريض يعتاد على الألم تمهيداً لعملية جراحية خطيرة وكبيرة.
المتفق عليه منذ عقود أنَّ الاقتصاد الأمريكي والليبرالي في أزمة هيكلية لم تعد تنفع معها “الترقيعات”، أو تهريبها وتأجيلها، وتوزيع خسائرها على أمم وشعوب العالم، لتبقى أمريكا ونموذجها الخادع مهيمنة وحاكمة، وتبقى حكومة الشركات الخفية تحكمها، وعبرها تدير العالم وتقوده إلى التدمير الذاتي، وإبادة الأمم والدول بخطط ومؤامرات وبحروب وغزوات.
ما يفعله هو تدريب المجتمعات والدول على ما سيكون لتؤهل نفسها وقدراتها إذا استطاعت.
(5)
ترمب تاجر صفقات، وأمريكا دولةً ونظاماً قامت على عقلية التجارة والصفقات والفرص.
هو محارب في ولايته الثاني، محترف مختلف عما كان في الأولى كـ “هاوٍ” وهُزِم.
وصل لينتصر، يحارب في كل الاتجاهات للإشغال عن أولوياته، وعينه وجهده لتحقيق غاياته. ولجديته وصدقه أعلنها، وفي حروبه وقراراته وخطواته يلتزم تحقيقها دون أدنى انحراف.
(6)
وهو يناور ويضلل ويشغل الآخرين أَمنَّ ٢ ترليون دولار لدولة بلغت ديونها العامة ٣٧ ترليون والخاص يزيد عنه، وقدراتها على سداد الديون أو استمرار التمويل بالديون باتت على حافة الاستحالة، والفقاعة في ذروة جاهزيتها للانفجار، دون وجود بدائل أو طرق وأدوية للعلاج أو حتى لتخفيف آثارها المدمرة عالمياً.
والرجل موعود بـ ٢ الى ٣ تريليون من دول النفط والغاز وسيجبيها قريباً.
إنه زمن قياسي، ومكاسب قياسية غير مسبوقة!
(7)
أما ترهات الخبراء والإعلام، وهجماتهم واتهامه بالقصور، وتصويره ارتجالي وعبثي، فلا جدوى منها وسيبلع أصحابها ألسنتهم سريعاً. فليس ممن سبقه من حكام أمريكا كان بجرأته وبمبادرته وصدقه، والأهم عزمه على محاولات التغيير الجذري، وإنقاذ أمريكا من مخاطر الافلاس والتدمير، وتغيير بنيتها ووظيفتها، وتحريرها من قبضة لوبي العولمة وحكومة الشركات التي نهبتها، وعبرها نهبت ودمرت العالم، ولا تزال ساعية إلى تدمير ما تبقى. فلا حياة لها إلا بالحروب والنهب والتدمير، وطباعة الدولار وتعميم أزماتها وتصديرها للعالم.
(8)
جاء “ترمب الثاني” خلاصة تجارب أمريكا والعالم معها، وبنتيجة تراكم الخبرات، ونضج المجتمعات الأمريكية للتحول من قبائل وجماعات وشعوب وكانتونات وجزر لا يجمعها إلا المكان، وتخديم الشركات كمنتجين، تنهب جهودهم، ومستهلكين تنهب مدخراتهم وأعمارهم إلى شعب ودولة تسعى لتؤمن حاجاته ولحمته، وتعيد صياغة أنماط حياته وعيشه، وليس في خدمة الشركات.
(9)
عاد إلى طرائق قديمة في فرض الحواجز الجمركية، وانتقاء الخطوات، والتركيز على الرأسمال والانتاج الوطني، ووقف تبديد الثروات على الحروب، وافتعال الأزمات والفوضى في العالم، للتدمير والنهب وفرض السلطان الأمريكي بالدولار والحرب.
بديلاً عن تلك الوسائل والطرائق يعمل ترمب على وقف الحروب وكسر الأذرع “المعولمة”، وترشيق الدولة وعصرنتها لتخفيف أكلافها، وتصفية بؤر ومنصات انتاج الفساد والهدر وتبديد الثروات. وهدف ضرائبه الجمركية تفكيك الشركات متعدية الجنسية وتصفية أخطبوطها. ويعمل بمبدأ ابتزاز الحكومات والحكام والأُسر والشركات، وتدفيعها “خوات”، ويجاهر تعبيراً عن جدية ومصداقية ووطنية أمريكية. ولهذا بدأ حربه وسيُتِمها لسحق وتدمير العولمة ومؤسساتها وأدواتها في أمريكا وفي العالم، وهو يعمل بدأب عليها كأولوية.
(10)
في ميزان الإنجازات وما حققه خلال ٩٠ يوما، يسجل له الكثير من الإجراءات التأسيسية، والتي ستغير كثيراً وبكل الاتجاهات وفي زمن قصير، وبإجراءات حازمة وفي هيجان العواصف. وكثير منها افتعلها هو بقصد.
خططه وإجراءاته لن تمر مرور الكرام، فقوة لوبي العولمة وحكومة الشركات والدولة العميقة ضاربه وهائلة، وأدواتها كثيرة، وخبرتها عميقة، والحرب الجارية هي أشبه بـ”حرب موت أو حياة” كل جهة ستقاتل بكل ما توفر لها وبلا حساب للكلفة والآثار.
(11)
نجح لوبي العولمة بمنعه من تحقيق وعده بوقف الحروب، وأفشل خططه لوقف الحرب الأوكرانية، وحرب إبادة غزة، وتصفية القضية الفلسطينية، واستبق وصوله للبيت الأبيض بإسقاط سورية، وتمكين أردوغان ونتنياهو والإخوان من مسارح وحضور، وفوَّض ماكرون بأوروبا والمتوسط، وبتعطيل التفاهمات مع بوتين.
بل ألزمه بعدوان على اليمن، على عكس اعلاناته ورغباته ويحاول توريطه بحرب مع إيران.
ويحاول في أمريكا إعاقته، وربما إطلاق ثورة ملونة لشل قدراته ووقف اندفاعته.
في الميزان وخلال الـ٩٠ يوماً حقق ترمب نجاحات مرموقة، وتستعر الحرب مع لوبي العولمة وأدواته، والمفاوضات الإيرانية-الأمريكية ستشكل نهايتها دلالة قطعية لمن باتت القوة، وبيد مَن سيف الفصل.
هكذا جارية الامور اذا قاربناها بواقعية والخطر ماثل وهزيمة ترمب ليست مستحيلة كما انتصاره ليس حكميا.
العرب واقليمهم منصة الحرب بين اللوبيات واذرعها قريبا.
فلمن تكون الغلبة؟.