مصادر: حسابات المكسب والخسارة فى التطبيع السوري مع الكيان الصهيونى

كتب: أشرف التهامى
كشف مسؤولون سوريون كبار عن تفاصيل أولية بشأن رغبة دمشق في استكشاف إمكانية تطبيع العلاقات مع إسرائيل، في تحول كبير عن الموقف السوري التقليدي المستمر منذ عام 1948.
ونقل موقع “The Media Line” عن نير بومس، رئيس منتدى أبحاث سوريا في مركز موشيه ديان بجامعة تل أبيب، قوله: “الأمر يتعلق بتعاون تدريجي. الإسرائيليون يعرفون السوريين أفضل مما يعتقد الكثيرون، وهناك أساس يمكن البناء عليه”.
وأشار المسؤولون السوريون إلى أن الرئيس السوري أحمد الشرع أعرب خلال اجتماع مع عضوي الكونغرس الأمريكي مارلين ستاتزمان وكوري ميلز في دمشق، عن استعداده لبحث إمكانية التطبيع، مؤكدين أن أي خطوة في هذا الاتجاه يجب أن تحافظ على وحدة وسيادة سوريا الكاملة. وكانت بلومبرغ أول من نقل هذه التصريحات، قبل أن يؤكدها المسؤولون السوريون لـThe Media Line.
جذور التوتر والتحولات الإقليمية
يعود النزاع السوري الإسرائيلي إلى عام 1948، عندما شاركت سوريا في الحرب العربية الأولى ضد قيام دولة إسرائيل. وشهدت العلاقات بين البلدين عدة مواجهات عسكرية، أبرزها حرب 1967 التي احتلت خلالها إسرائيل هضبة الجولان، والتي لا تزال تمثل رمزًا رئيسيًا للسيادة السورية وعقبة كبرى أمام تحقيق السلام.
ورغم العداء الممتد لعقود، شهدت تسعينيات القرن الماضي محاولات خجولة للمصالحة، خاصة بعد مؤتمر مدريد وخلال فترة حكم الرئيس حافظ الأسد. واستمرت المحاولات sporadically خلال عهد بشار الأسد، خصوصًا بعد مؤتمر أنابوليس 2007، لكنها انهارت مرارًا بسبب الخلاف حول الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الجولان.
وأوضح نير بومس أن المتغيرات الإقليمية بعد السابع من أكتوبر أثرت في حسابات دمشق، قائلًا: “نحن نعيش في واقع ما بعد 7 أكتوبر. المحور الإيراني بات أضعف، وحزب الله تضرر من الضربات، وسوريا تغير وضعها، وإيران تحت ضغط كبير، والمعارضة السورية وجدت فرصة جديدة لرفع صوتها”.
سوريا تبدي انفتاحًا على اتفاقيات أبراهام
وخلال لقائه مع الوفد الأمريكي، أشار الرئيس الشرع إلى أن “دمشق منفتحة على اتفاقيات أبراهام”، في إشارة إلى اتفاقات التطبيع التي رعتها الولايات المتحدة بين إسرائيل وعدد من الدول العربية منذ عام 2020. ومع أن هذا لا يعني التزامًا مباشرًا بالتطبيع، إلا أنه يُظهر براغماتية سياسية وتغيرًا في استراتيجية دمشق الإقليمية.
وأكد النائب ستاتزمان أن الرئيس الشرع شدد على رفض أي ترتيبات سياسية تمس وحدة الأراضي السورية، وطالب بوقف الغارات الجوية الإسرائيلية داخل سوريا، معتبرًا أنها تزعزع استقرار المنطقة.
وأشار بومس إلى التحولات العميقة في المشهد الإقليمي: “في 1948، قاتلت إسرائيل ضد أربع دول عربية، أما في حرب غزة 2023–2025، فقد واجهنا جبهات متعددة، ولكن لم تشارك أي دولة عربية. لم يغلق أي بلد عربي سفارته أو يسحب دبلوماسييه، بل ساعدتنا بعض الدول في اعتراض الصواريخ الإيرانية. هذا يعكس تغيرًا جوهريًا”.
وأضاف: “هذه الخطوة لم تكن عشوائية. اعتقال قادة الجهاد الإسلامي الفلسطيني تزامن مع تطورات أخرى، وهو جزء من استراتيجية أمريكية لزيادة الضغط الإقليمي”.
سوريا تلمّح لإمكانية التطبيع
كشفت مصادر رفيعة في وزارة الدفاع السورية أن الاستراتيجية الإسرائيلية خلال العقد الماضي ركزت على “منع ترسيخ النفوذ الإيراني” و”تحييد تهديدات حزب الله”، مما دفع تل أبيب لتنفيذ مئات الغارات الجوية على أهداف مرتبطة بإيران داخل سوريا.
ورغم عدم صدور رد رسمي من المسؤولين الإسرائيليين على تصريحات الرئيس السوري أحمد الشرع بشأن التطبيع، إلا أن المصدر أكد أن تل أبيب تتابع التطورات عن كثب، خاصة في ظل التحولات في موازين القوى بعد سقوط النظام السوري السابق، مما قد يفتح قناة دبلوماسية جديدة، وإن كانت سياسية حساسة.
تحولات داخل الفصائل المسلحة
أشار نير بومس، رئيس منتدى أبحاث سوريا بمركز موشيه ديان بجامعة تل أبيب، إلى بوادر تغيير داخل الفصائل المسلحة السورية، خاصة في الشمال الغربي، حيث يظهر قادة متشددون سابقون ميولًا نحو إعادة التموضع. وقال: “أنا جزء من مجموعة تواصلت مع قادة مثل الجولاني، وهناك قناعة بأن فرصة حقيقية لتحقيق تقدم في سوريا باتت ممكنة إذا أحسنا التصرف”.
وأضاف بومس: “التغير في الخطاب يعكس رغبة أوسع في التعافي الوطني، فقد التقيت سوريين متعلمين وجادين يرغبون في مستقبل أفضل قائم على الاستقرار وتحسين العلاقات الإقليمية”.
الدبلوماسية الشعبية
بينما رحب بعض الفاعلين السياسيين في سوريا بانفتاح الرئيس الشرع على جهود السلام، أبدى آخرون شكوكهم، مؤكدين أن أي تطبيع يجب أن يستند إلى تفويض شعبي حقيقي ويصاحبه إصلاحات سياسية ملموسة. كما شدد معارضون على أن التطبيع يجب ألا يأتي على حساب العدالة للضحايا أو حقوق اللاجئين.
ولفت بومس إلى أهمية التواصل الشعبي، قائلاً: “تواصلت مع سوريين منذ 15 عامًا، واستضفت العديد منهم في بيتي. لقد عالجنا أكثر من 5,000 سوري في مستشفيات إسرائيلية، وآلاف آخرون شاركوا عبر مبادرات مثل عملية الجار الطيب”.
المكاسب المحتملة والتحديات العميقة
يرى محللون أن تطبيع العلاقات قد يفتح أمام دمشق أبواب إنهاء العزلة الإقليمية والدولية، واستقطاب الاستثمارات، وتسريع عملية إعادة الإعمار، وربما تحقيق انفراجة سياسية مدعومة أمريكيًا. في المقابل، تأمل إسرائيل في تقليص النفوذ الإيراني على حدودها الشمالية، وتأمين هدنة دائمة في الجولان، والدخول إلى أسواق إقليمية جديدة تضم سوريا.
ومع ذلك، تبقى العقبات كبيرة: مسألة الجولان المحتل، الوجود العسكري الإيراني، الانقسام الشعبي في سوريا والعالم العربي حول مسألة التطبيع، بالإضافة إلى معارضة محتملة من روسيا وإيران الساعيتين للحفاظ على نفوذهما في المنطقة.
بناء سلام مستدام: طريق طويل
أوضح بومس أن بناء السلام مع سوريا يجب أن يكون تدريجيًا ويعتمد على الثقة: “التطبيع ليس مجرد إعلان سياسي، بل هو عملية طويلة من بناء علاقات حقيقية بين الشعوب”. وأشار إلى أن التجارب السابقة مع مصر والأردن أظهرت أن اتفاقيات السلام وحدها لا تضمن بناء سلام شعبي عميق.
واختتم بومس بالقول: “هناك فرصة حقيقية الآن لبناء ‘محور نهضة’ إقليمي، بالتعاون مع شركاء براغماتيين مثل السعودية، الإمارات، والأردن، مع دور محوري لكل من إسرائيل والولايات المتحدة”.
رغم أن الطريق لا يزال مليئًا بالتحديات، إلا أن مجرد الإشارات الأولية من دمشق قد تعيد رسم خريطة التحالفات الإقليمية في الشرق الأوسط، وسط سعي سوريا لإعادة تعريف سياستها الخارجية بما يتلاءم مع التغيرات الإقليمية والدولية.
………………………………………………………
المرجع: https://themedialine.org/