“سى أن أن”: انفجار بندر عباس مرتبطة بتطوير برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني

كتب: أشرف التهامي
تواصل السلطات الإيرانية، التحقيق في الانفجار الهائل الذي هز ميناء بندر عباس الاستراتيجي جنوبي البلاد، والذي أسفر عن مقتل ما لا يقل عن خمسة أشخاص وإصابة أكثر من 700 آخرين بجروح متفاوتة الخطورة، مع تدمير واسع في محيط الميناء.
الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، أمر بفتح تحقيق شامل وعاجل في أسباب الكارثة التي ضربت أحد أعمدة الاقتصاد الإيراني.
وذكرت المتحدثة باسم الحكومة، فاطمة مهاجراني، أن النتائج الأولية تشير إلى أن الانفجار نجم عن اشتعال حاويات مخزنة في أحد أركان ميناء الشهيد رجائي، مرجحة أن هذه الحاويات كانت تحوي مواد كيميائية خطرة.
أهمية استراتيجية لميناء الشهيد رجائي
يقع ميناء الشهيد رجائي، الأكبر في إيران، على بعد نحو 15 كيلومترًا جنوب غرب بندر عباس على الساحل الشمالي لمضيق هرمز، الذي تمر عبره حوالي 20% من صادرات النفط العالمية. ويتعامل الميناء مع 70% من إجمالي تجارة إيران، بمعدل سنوي يصل إلى نحو 80 مليون طن من البضائع، ويضم منشآت حيوية نفطية وبتروكيماوية.
الميناء سبق أن تعرض لهجمات سيبرانية، أبرزها في 2020 عندما عطل هجوم إلكتروني — يُعتقد أن إسرائيل نفذته — عملياته لعدة أيام، ما أسفر عن خسائر اقتصادية كبيرة.
علاقة الانفجار ببرامج الصواريخ
لم تصدر السلطات الإيرانية حتى الآن تفاصيل رسمية حول طبيعة المواد التي انفجرت، إلا أن تقارير استخباراتية كانت قد كشفت خلال الأشهر الماضية عن رسو سفينتين صينيتين، هما “جولبون” و”جيران”، في ميناء بندر عباس، محملتين بشحنات ضخمة من بيركلورات الصوديوم، وهي مادة كيميائية أساسية في تصنيع وقود الصواريخ الصلبة.
في فبراير/شباط الماضي، أشارت شبكة CNN إلى أن السفينة “جولبون” سلمت قرابة ألف طن من بيركلورات الصوديوم إلى إيران، وسط مخاوف من استخدامها في تطوير الصواريخ الباليستية، ضمن برنامج تديره “منظمة الجهاد للاكتفاء الذاتي” التابعة للحرس الثوري الإيراني.
خلفيات أمنية
بندر عباس تحتضن واحدة من أهم القواعد البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني، والتي شهدت في السابق تنفيذ عمليات احتجاز سفن أجنبية في مضيق هرمز، في إطار سياسة الضغط العسكري التي تمارسها طهران في المنطقة.
مع استمرار التحقيقات، تبقى الأسئلة معلقة بشأن ما إذا كانت المواد المتفجرة مرتبطة ببرامج عسكرية حساسة، وهو أمر قد يزيد من تعقيد المشهد السياسي الإقليمي، في وقت تتصاعد فيه التوترات بين إيران وإسرائيل بعد تصعيد عسكري واسع شمل تبادل الهجمات الصاروخية خلال الأسابيع الأخيرة.
تورط مواد صاروخية
كشفت شبكة CNN أن المادة الكيميائية التي تسببت في الانفجار الضخم بميناء بندر عباس الإيراني تم الحصول عليها عبر قسم المشتريات التابع لـ”منظمة الجهاد للاكتفاء الذاتي” (SSJO)، وهي هيئة مرتبطة بتطوير برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني.
ووفقًا للتقارير، فإن السفينة الصينية “جيران” سلمت مؤخرًا شحنة إضافية تقدر بألف طن من مادة بيركلورات الصوديوم، بعد شحنة مماثلة حملتها سفينة “جولبون” في فبراير الماضي.
ورغم فرض الولايات المتحدة عقوبات على السفينتين، فقد تمكنتا من الوصول إلى الميناء الإيراني. وأكدت التقارير أن بيركلورات الصوديوم تُستخدم أساسًا في تصنيع وقود الصواريخ الصلب، وهو أمر حيوي لإنتاج صواريخ إيرانية متطورة مثل “خيبر شكان” و”حاج قاسم”.
ويبلغ مدى صاروخ “خيبر شكان” نحو 1450 كيلومترًا، فيما يصل مدى “حاج قاسم” إلى حوالي 1400 كيلومتر. وقد أطلقت إيران عدة صواريخ من طراز “خيبر شكان” تجاه إسرائيل خلال هجوم واسع في أبريل/نيسان 2024، بينما جرى توثيق استخدام هذه الصواريخ أيضًا في هجوم آخر بأكتوبر/تشرين الأول 2024.
التفاصيل والتحقيقات الأولية
وقع الانفجار أكس السبت عند حوالي الساعة الثانية عشرة ظهرًا بالتوقيت المحلي، خلال يوم عمل عادي في الميناء. ولم تحدد السلطات بعد عدد العمال الذين تواجدوا وقت الحادث.
التقارير الأولية لوكالة تسنيم أفادت بأن الحادث نجم عن اشتعال في خزانات وقود، إلا أن التلفزيون الرسمي الإيراني سرعان ما نفى ارتباط الانفجار بمنشآت الطاقة في الميناء.
من جانبها، أكدت شركة توزيع النفط الوطنية الإيرانية أن منشآتها لم تتعرض لأي ضرر وتواصل العمل بصورة طبيعية.
لاحقًا، ذكرت وكالة الأنباء الرسمية “إرنا” أن الانفجار وقع داخل مستودع مخصص لتخزين مواد خطرة وكيميائية.
وأظهرت لقطات أمنية لحظة الانفجار، الذي انطلق من أحد حظائر الحاويات، فيما أشارت وكالة فارس إلى أن الحريق اندلع قرب محطات الحاويات التي تديرها شركة “سينا للشحن” قبل أن يتحول بسرعة إلى انفجار ضخم.
حتى الآن، لم تحسم السلطات الإيرانية ما إذا كان الحادث نتيجة خطأ بشري أو عمل تخريبي. غير أن شدة الانفجار، الذي شمل مواد شديدة الانفجار، دفع كثيرين إلى مقارنة الحادث بانفجار مرفأ بيروت عام 2020.
ومع ذلك، رفض السفير الإيراني في لبنان، مجتبى أماني، هذه المقارنة قائلاً: “الحادث في بندر عباس أصغر بكثير ولا يمكن مقارنته بانفجار مرفأ بيروت.”
خلفيات حساسة
الانفجار يأتي في توقيت حساس للغاية، مع تصاعد التوترات بين إيران وإسرائيل، خصوصًا بعد تبادل هجمات صاروخية بين الجانبين في الأشهر الماضية. كما أن طبيعة المواد المتورطة في الحادث قد تفتح الباب أمام تساؤلات دولية بشأن برامج إيران العسكرية ومدى التزامها بالاتفاقيات الدولية المتعلقة بانتشار الأسلحة.
طالع المزيد: