هى والسرطان والخوف: تجربة تكشف عن أبعاد جديدة للحياة

بيان

“ما الذي علمني إياه السرطان عن الخوف؟” تحت هذا العنوان كتبت (س.ع) وهى شابة فى العشرينيات من عمرها عن تجربتها مع مرض السرطان الذى أصيبت به، وأرادت أن تتشارك فى هذه التجربة مع أخريات، وآخرين، لعل كلماتها تصادف شيئا يعتمل بداخلهم، أو تغير من مشاعرهم بإيجابية.

تقول (س.ع):

عندما يُذكر مرض السرطان، يتبادر إلى الأذهان فورًا الخوف: الخوف من الألم، من الفقد، ومن النهاية المجهولة. لكن قلّة من الناس تدرك أن التجربة مع هذا المرض تتجاوز الخوف، لتكشف عن أبعاد جديدة للإنسانية، للضعف والقوة، وللحياة نفسها.

في التالى استعرض أمامكم شهادتى، وجزء مهم من تجربتى فى مواجهة “السرطان” عن قرب، وخروجى من هذه المعركة برؤية مغايرة لمعنى الخوف، والكيفية التي يمكن أن نحوله بها من عدو إلى رفيق طريق.

لحظة التشخيص: الصدمة الأولى

“كانت الكلمات ثقيلة كالرصاص: لديك ورم خبيث.”
بهذه العبارة يصف المريض لحظة تلقيه خبر إصابته بالسرطان. لم يكن الألم الجسدي هو أول ما شعر به، بل الخوف الذي اجتاحنى بالكامل، وجعلنى أتساءل: ماذا بعد؟ هل ستتوقف حياتي هنا؟

الخوف في هذه اللحظة لم يكن منطقيًا أو مرتبًا؛ كان غريزيًا، بدائيًا، يضرب في عمق الوعي دون رحمة.

 الألم أو الموت

تجاوزت خوف الصدمة الأولى لكن بقايا الخوف التى كمنت فى نفسى كانت أثقل من حمل جبل على كتفى، ومع بدء جلسات العلاج الكيميائي والإشعاعي، ظهر نوع جديد من الخوف: الخوف من الألم اليومي، من الضعف الجسدي، من فقدان الكرامة.
“لم أكن أخشى الموت بقدر ما كنت أخاف أن أعيش بشكل لا يشبهني”

هنا بدأت أدرك أن الخوف الحقيقي لا يكمن في النهاية المحتومة، بل في فقدان ما يجعل الإنسان إنسانًا: الاستقلالية، الكرامة، والأمل.

 من المقاومة إلى القبول

جلسة علاج، والثانية، والثالثة.. شيئًا فشيئًا، وأمام المعاناة المستمرة، نشأت فكرة جديدة في ذهنى: لماذا يجب أن أحارب الخوف نفسه لا يجب أن يُحارب، بل يُحتضن؟.. لماذا لا أجرب أن احتضنه؟!.

“بدأت أتعامل مع خوفي وكأنه رفيق قديم”.

“كنت أسمح له بأن يكون موجودًا، لكنني لم أسمح له أن يقود حياتي”. 
بهذا التغيير في النظرة، تحول الخوف من عقبة إلى دافع للاستمرار. أصبح وسيلة للتركيز على ما هو مهم فعلًا: العلاقات الإنسانية، اللحظات الصغيرة، الإيمان بقدرة الروح على النهوض من تحت الرماد.

ولم يكن اجتياز هذه الرحلة ممكنًا دون دعم العائلة والأصدقاء.
“في الأيام التي كنت أظن أنني لن أتمكن من النهوض من الفراش، كانت كلمة مشجعة أو نظرة حنان قادرة على أن تعطيني قوة لم أكن أشعر بها من قبل، ولا أعلم بوجودها داخلي.”

الدعم الاجتماعي هنا لم يكن مجرد كلمات، بل كان شبكة أمان نفسية، أحاطتنى، وكانت بمثابة طوق نجاة من السقوط الكامل في هوة اليأس.. وأكتملت شبكة الحماية النفسية بالإيمان والقرب إلى الله، والصلاة، والصيام بقدر ما سمح لى به الأطباء والعلاج.

ومضت الأيام، وأمل الشفاء التام أزداد كثيرا، وصار التعافى قاب قوسين أو أدنى، واليوم، لا أدعى أننى لا أعيش خالية تماما من الخوف، ولكنني أستطيع أن أجزم أننى أعيش بحرية أكبر. وهذا هو أعظم انتصار حققته.

الخوف ليس عدوًا

وخرجت من هذه التجربة بعدة دروس جوهرية، أولها أن الخوف جزء طبيعي من التجربة الإنسانية، ولا يجب أن نخجل منه، والثانية أن الشجاعة لا تعني غياب الخوف، بل التقدم رغم وجوده، والثالثة والأهم أن الحياة تُقاس باللحظات التي نعيشها بصدق، لا بعدد الأيام.

  أن الخوف ليس نهاية القصة، بل بدايتها. ليس ضعفًا أن نخاف، ولكن القوة الحقيقية تكمن في أن نواصل السير رغم هذا الخوف، وأن نصنع من هشاشتنا جسرًا نحو حياة أعمق وأكثر صدقًا.

في النهاية، لم يكن السرطان مجرد مرض جسدي، بل رحلة وجودية أعادت تعريف كل شيء: الحب، الوقت، الأمل، وحتى الخوف.

طالع المزيد:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى