غسل الأموال: مليارات من الجنيهات تخفي وراءها أنشطة إجرامية تهدد استقرار الاقتصاد

تقرير خاص: الشؤون القضائية
كشفت الأجهزة الأمنية، اليوم الأحد، بوزارة الداخلية، ممثلة في قطاع مكافحة جرائم الأموال العامة والجريمة المنظمة، عن تفاصيل واحدة من كبرى قضايا غسل الأموال خلال الفترة الأخيرة.
وتمكنت الجهات المعنية، بالتنسيق مع أجهزة الوزارة المختلفة، من اتخاذ الإجراءات القانونية ضد أحد الأشخاص – معروف بسوابقه الجنائية – والمقيم بمحافظة بني سويف، بعد تورطه في غسل الأموال المتحصلة من نشاطه الإجرامي في مجال الإتجار غير المشروع بالنقد الأجنبي خارج نطاق السوق المصرفي الرسمي.
تفاصيل الجريمة
بحسب المعلومات الأمنية، عمد المتهم إلى إخفاء مصدر الأموال المتحصلة من نشاطه غير المشروع، ومحاولة إسباغ الصبغة القانونية عليها، من خلال عدة طرق، منها:
-
شراء وحدات سكنية وأراضٍ.
-
اقتناء سيارات بمبالغ كبيرة.
-
تأسيس شركات تجارية، لتبدو الأموال وكأنها ناتجة عن أنشطة مشروعة.
وقدرت الجهات المختصة قيمة عمليات غسل الأموال التي قام بها المتهم بنحو 90 مليون جنيه مصري تقريبًا.
أرقام مهمة
وفقًا لوحدة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب المصرية، بلغ عدد حالات الاشتباه في غسل الأموال المحالة إلى النيابة العامة خلال عام 2023 نحو 1,200 حالة، بزيادة ملحوظة عن السنوات السابقة.
قدرت تقارير رسمية أن حجم الأموال المتداولة في الاقتصاد غير الرسمي (الذي يشمل أنشطة قد تكون مرتبطة بغسل الأموال) يصل إلى نحو 2.5 تريليون جنيه مصري، أي ما يقارب 50% من الناتج المحلي الإجمالي.
في تصنيف مؤشر بازل لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب لعام 2023، حصلت مصر على درجة 5.05 من 10 (كلما ارتفعت الدرجة، زادت المخاطر)، مما يضعها في منتصف الترتيب العالمي من حيث المخاطر المرتبطة بغسل الأموال.
أعلنت وزارة الداخلية المصرية، خلال حملات مكافحة غسل الأموال لعام 2024، عن ضبط عمليات غسل أموال بقيمة تقدر بأكثر من 1.5 مليار جنيه في قضايا متنوعة تتعلق بالاتجار بالنقد الأجنبي، والمخدرات، والتهرب الجمركي.
الإطار القانوني
تُعد جريمة غسل الأموال من أخطر الجرائم الاقتصادية المنظمة، ووفقًا للقانون رقم 80 لسنة 2002 بشأن مكافحة غسل الأموال، فإن الجريمة تتضمن:
-
تحويل أو نقل أو استبدال أموال مع العلم بأنها متحصلة من جريمة، بهدف إخفاء أو تمويه طبيعتها أو مصدرها أو مكانها أو ملكيتها.
-
إخفاء أو تمويه حقيقة الأموال أو مصدرها، مع العلم بأنها متحصلة من جريمة.
-
اكتساب أو حيازة أو استخدام الأموال مع العلم بأنها متحصلة من نشاط إجرامي.
وتنص المادة (14) من القانون ذاته على أن يعاقب كل من ارتكب جريمة غسل أموال بالسجن مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تجاوز سبع سنوات، وبغرامة مالية لا تقل عن مثلي قيمة الأموال محل الجريمة ولا تجاوز ثلاثة أمثالها.
كما يتم مصادرة الأموال محل الجريمة، أو ما يعادلها إذا تعذر ضبطها.
الجريمة والاقتصاد المصري
تمثل جرائم غسل الأموال تهديدًا مباشرًا للاقتصاد المصري، إذ تؤدي إلى تشويه آليات السوق عبر إدخال أموال غير مشروعة إلى الدورة الاقتصادية، مما يخلق منافسة غير عادلة أمام الأنشطة المشروعة.
كما تساهم هذه الأموال القذرة في تضخيم حجم الاقتصاد غير الرسمي، مما يضعف قدرة الدولة على التخطيط الاقتصادي وجمع الإيرادات الضريبية.
بالإضافة إلى ذلك، تؤثر عمليات غسل الأموال سلبًا على سمعة النظام المالي المصري أمام المؤسسات الدولية والمستثمرين الأجانب، ما قد يؤدي إلى خفض تصنيفات مصر المالية ويزيد من كلفة الاقتراض السيادي.
ولهذا، تُعد مكافحة غسل الأموال أولوية وطنية للحفاظ على استقرار الأسواق وتحقيق التنمية المستدامة.
جهود المكافحة
تعكس هذه القضية استمرار جهود الدولة في مكافحة جرائم غسل الأموال، التي تُستخدم عادةً لتمويل أنشطة غير مشروعة مثل الإرهاب، وتلحق ضررًا بالاقتصاد الوطني من خلال تشويه الأسواق وتوسيع الاقتصاد الموازي.
وتأتي هذه الجهود في إطار التزام مصر بتعزيز أنظمتها الرقابية والامتثال للمعايير الدولية لمجموعة العمل المالي (FATF)، بما يسهم في حماية النظام المالي من الجرائم المنظمة.
وتواصل الأجهزة الأمنية حملاتها المستمرة لتعقب وتتبع مصادر الأموال المشبوهة، ومنع تسربها إلى الاقتصاد الرسمي، في ظل التزام راسخ بمكافحة جميع صور الفساد المالي والاقتصادي.
طالع المزيد: