أمل محمد أمين تكتب: من هو محمد؟ (3) الدعوة السرية ووفاة خديجة والهجرة إلى المدينة

بيان

بعد أن اصطفى الله سبحانه وتعالى سيدنا محمد بالدعوة ونزل عليه الوحي بدعوة واضحة للعلم “إقرأ باسم ربك الذي خلق خلق- خلق الإنسان من علق- إقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان مالم يعلم”
لتبدأ الدعوة الإسلامية بواحدة من أصعب المراحل وهي الدعوة السرية في تلك المرحلة عانى فيها النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه أصناف الأذى، لكنهم ظلوا صابرين محتسبين، حتى أتم الله نوره وأعلى دينه. ومن أهم هذه المحطات: مرحلة الدعوة السرية، ثم وفاة السيدة خديجة رضي الله عنها، وأخيرًا الهجرة النبوية المباركة إلى المدينة المنورة.

“مرحلة الدعوة السرية: بناء الأساس”
عندما نزل الوحي على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، أمره الله عز وجل بالبلاغ والإنذار، فقال سبحانه:

{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ}
(سورة المدثر، الآيتان 1-2)

ولعلم النبي بطبيعة المجتمع المكي المتمسك بعادات الجاهلية، ولحكمة التدرج في نشر الرسالة، بدأ بدعوة المقربين منه سرًا. فآمنت به زوجته خديجة بنت خويلد، وصديقه أبو بكر الصديق، وعلي بن أبي طالب، وزيد بن حارثة وغيرهم من السابقين الأولين.

استمرت هذه المرحلة نحو ثلاث سنوات، حيث كان المسلمون يجتمعون بعيدًا عن أنظار قريش، يغذون إيمانهم بالعلم والصبر، حتى تأسس بذلك نواة صلبة للدعوة، قادرة على تحمل تبعات المرحلة العلنية القادمة.

“وفاة السيدة خديجة: فقد السند”
بينما كان الإسلام يشق طريقه وسط العداء والاستهزاء، كانت السيدة خديجة رضي الله عنها أكبر داعم للنبي صلى الله عليه وسلم، تمنحه السكينة وتشجعه على المضي قدمًا. وقد بيّن الله تعالى نعمة الزوجة الصالحة بقوله:
{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً}
(سورة الروم، الآية 21)

لكن في العام العاشر من البعثة، توفيت السيدة خديجة رضي الله عنها، ولحقتها وفاة عمه أبي طالب الذي كان يذود عنه الأذى. فاشتد الحزن بالنبي حتى سُمي ذلك العام بـ”عام الحزن”، لفقده السندين الكبيرين في حياته ودعوته.

ومع ذلك، لم تضعف عزيمته، بل ازداد تمسكًا ببلاغ الرسالة، إيمانًا بوعد الله له بالنصر والتمكين.

“الهجرة النبوية: انتقال إلى مرحلة التمكين”
بعد تصاعد الأذى وشدة المعارضة في مكة، جعل الله تعالى للرسول صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين مخرجًا ومنفذًا إلى أرض أخرى تحتضنهم. قال تعالى:
{وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا}
(سورة الإسراء، الآية 80)
وتواصل النبي صلى الله عليه وسلم مع قبائل العرب في موسم الحج، حتى استجاب له أهل يثرب، فكانت بيعتا العقبة بداية الانتقال من الاستضعاف إلى التمكين. ثم أمر الله نبيه بالهجرة إلى المدينة، فخرج مع صاحبه أبي بكر الصديق سرًا، واتجها إلى غار ثور تخطيطًا لتفادي المطاردة، مستشعرين معية الله عز وجل.
وقد جسدت حادثة الغار أروع صور التوكل على الله، كما قال تعالى:
{إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}
(سورة التوبة، الآية 40)

وكانت الهجرة بداية عهد جديد للإسلام، حيث نشأت الدولة الإسلامية، وتحقق الوعد الإلهي بنصر دينه ورفعة رايته.
هكذا يتضح أن مراحل الدعوة السرية، ووفاة السيدة خديجة رضي الله عنها، والهجرة إلى المدينة، كانت محطات محورية شكلت البناء الصلب للأمة الإسلامية. فقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم بالصبر والثبات أن النصر لا يأتي إلا بعد البلاء، وأن الله ينصر من ينصره. قال سبحانه:

{إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ}
(سورة غافر، الآية 51)

فكان صبره وتضحيته عليه الصلاة والسلام مثالاً خالدًا لكل داعية يسعى لإعلاء كلمة الله في الأرض.

طالع المزيد:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى