العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية على مفترق طرق.. لعبة واشنطن وتل أبيب قبل زيارة ترامب للعرب

تقرير يكتبه: عاطف عبد الغنى
من حسن الفطن أن نطرح السؤال الآتى ونناقشه: هل ادعاءات إسرائيل المتكررة عن فتور العلاقات مع الرئيس ترامب هى بمثابة لعبة متفق عليها بين واشنطن وتل أبيب حتى تؤتى زيارة ترامب للدول العربية ثمارها؟
مؤشرات
يرى البعض أنه لا توجد أدلة قوية على أن فتور العلاقات بين واشنطن وتل أبيب هو مجرد “لعبة متفق عليها”. بل على العكس، هناك 3 مؤشرات على توتر حقيقي، أبرزها:
-
تجاهل إسرائيل في جولة ترامب الخليجية، رغم أنها كانت محطة أساسية في زياراته الخارجية السابقة.
-
الاتفاق مع الحوثيين دون تنسيق مع إسرائيل، رغم التهديد المباشر الذي تشكله الجماعة عليها.
-
بدء محادثات خلف الكواليس مع إيران، وهو ما تعتبره تل أبيب تهديدًا استراتيجيًا.
ومع ذلك، لا يعني هذا أن العلاقة الاستراتيجية قد انهارت، بل إن واشنطن ما زالت تُبقي على التنسيق الأمني والدعم العسكري لإسرائيل، لكنها باتت تدير الملف الإقليمي من زاوية مصالحها المباشرة، خصوصًا ما يتعلق بإيران وأمن الطاقة.
مجرد إعادة تموضع
فيما يرى البعض أن ما يحدث مجرد إعادة تموضع أمريكي وليس مؤامرة أو لعبة مدبرة، وأن الفتور حقيقي، لكنه لا يرقى إلى مستوى القطيعة، ولكن يعكس تباينًا في الأولويات لا أكثر.
في خضم احتفاء الحكومة الإسرائيلية بما وصفته بتجدد دفء العلاقات مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعد عودته إلى البيت الأبيض في يناير الماضي، جاءت قراراته الأخيرة لتصدم صن~اع القرار في القدس وتثير تساؤلات حول مكانة إسرائيل في حسابات واشنطن.
فبينما يستعد ترامب للقيام بجولة خليجية تشمل السعودية والإمارات وقطر، تغيب إسرائيل عن جدول الزيارة، في دلالة رمزية أثارت قلقًا عميقًا في الأوساط الإسرائيلية.
ويأتي هذا التطور بعد إعلان ترامب التوصل إلى اتفاق مع جماعة الحوثي في اليمن، ينص على وقف الضربات الجوية الأمريكية مقابل التزام الحوثيين بعدم استهداف الملاحة التجارية في البحر الأحمر، رغم أن صاروخًا حوثيًا كان قد سقط – قبل الاتفاق بساعات فقط من الإعلان – بالقرب من مطار بن غوريون، ما تسبب في تعليق بعض الرحلات إلى إسرائيل.
واشنطن تؤمّن مصالحها
وترى إسرائيل أن هذا اتفاق أمريكا والحوثيين جاء بعد أيام من قصف سلاح الجو الإسرائيلي لمواقع في العاصمة اليمنية صنعاء، بما في ذلك المطار الدولي، ردًا على الهجوم الحوثي.
لكن من وجهة نظرهم أن ما زاد من مرارة المشهد في إسرائيل، كان إعلان الحوثيين استمرار عملياتهم ضد إسرائيل ما دامت الحرب في غزة قائمة، ما دفع العديد من المحللين في القدس إلى اعتبار أن واشنطن باتت تتحرك وفق أولوياتها الخاصة، حتى لو تعارضت مع المصالح الإسرائيلية.
وفي هذا السياق، صرح الجنرال المتقاعد والمستشار الأمني السابق جيورا آيلاند لإذاعة “كان بيت” قائلاً: “نحن نعيش في مرحلة من التراجع الخفي في علاقاتنا مع الولايات المتحدة.. الإدارة الأمريكية لا تحسب حسابًا لنا، بل ربما تتصرف من خلف ظهرنا”.
جولة الخليج: السعودية في الصدارة… وإسرائيل في الظل
ترى أيضا إسرائيل أن رسائل الجولة الخليجية واضحة: ترامب يسعى إلى استثمارات بمئات المليارات، واتفاقات عسكرية وتجارية، وربما تفاهمات بشأن إيران وغزة، بينما تغيب إسرائيل عن الصورة، في تناقض صارخ مع زيارته الأولى في ولايته السابقة عام 2017، حين شملت جولته السعودية ثم إسرائيل مباشرة.
ورغم الغياب الرسمي، من المتوقع أن تكون قضايا مثل غزة والتطبيع مع إسرائيل وإيران حاضرة بقوة في الكواليس، فالحرب في غزة، رغم عدم إدراجها رسميًا على جدول المحادثات، ستكون حتمًا محورًا في المباحثات الخاصة، خصوصًا مع تزايد ضغوط القادة الخليجيين لوقف العمليات العسكرية الإسرائيلية وتكثيف المساعدات الإنسانية.
الرهان على صفقة
ويرى فريق ترامب في الجولة فرصة دبلوماسية: إذا تمكن من الوساطة لوقف إطلاق نار مؤقت أو صفقة للإفراج عن الرهائن، يمكنه الترويج لنفسه كحليف قوي لإسرائيل ووسيط إقليمي ناجح في آن واحد.
أما في حال الفشل، فمن المتوقع أن يُكرر ولي العهد السعودي محمد بن سلمان موقفه الرافض لأي تطبيع مع إسرائيل ما دامت الحرب مستمرة دون أفق سياسي لحل الدولتين.
التطبيع مؤجل… لا ملغى
ترى أيضا إسرائيل أن المعطيات الإقليمية لا تبشّر بإنجاز اختراق في ملف التطبيع مع السعودية، رغم أنه يبقى هدفًا محوريًا لترامب، الذي يعتبر اتفاقات أبراهام من أبرز إنجازات ولايته الأولى.
لكن مع تعاظم مشاهد الحرب في غزة، بات الرأي العام العربي أكثر عداءً لإسرائيل،لذلك فأن السعودية لن تخطو نحو التطبيع في هذه الظروف، رغم تأكيد واشنطن أن الخطوة لم تُلغَ بل تأجلت.
إيران… الفيل في الغرفة
ومن وجهة النظر الإسرائيلية – أيضا – تبقى إيران العامل الأكثر تعقيدًا في خلفية الزيارة، فبينما ترى إسرائيل أن هذه لحظة مناسبة لتوجيه ضربة مباشرة لطهران، تتحفظ دول الخليج خشية أن تجد نفسها في قلب المعركة، وتُفضل المسار الدبلوماسي الذي بدأ ترامب فعليًا بتحريكه، سعيًا لاتفاق نووي جديد يحد من قدرات إيران دون مكافأتها سياسيًا.
أهداف سياسية داخلية
وترى إسرائيل أيضا أن وراء الأهداف الجيوسياسية، لجولة ترامب الخليجية، لا تُخفى الحسابات الانتخابية.
ترامب، الذي يعاني من نسب تأييد منخفضة مع بداية ولايته الثانية، يرى في هذه الجولة وسيلة لتغيير المزاج الشعبي في الداخل الأمريكي، عبر صفقات واستثمارات ضخمة، أبرزها تعهد سعودي باستثمارات قيمتها 600 مليار دولار خلال ولايته، وعرض إماراتي أكبر بـ1.4 تريليون دولار.
إسرائيل تراقب وتقلق
وأخيرا وبالنسبة لإسرائيل، لن تُقاس أهمية جولة ترامب بحجم الاستثمارات أو صور المصافحة، بل بما إذا كانت ستعزز الردع ضد إيران، وتُبقي القدس في مركز اهتمام السياسة الأمريكية في المنطقة.
أما إذا استمرت واشنطن في رسم خارطة مصالحها دون التنسيق مع تل أبيب، فقد تجد إسرائيل نفسها، رغم كل العبارات الدافئة، وحيدة في مواجهة تحديات متفاقمة، وهذه رسالة إسرائيل لأصدقائها فى واشنطن وأوروبا.
طالع المزيد: