هواجس ترامب والقناة
- ماذا تعرف الاجيال الجديدة عنها.."قناة السويس" صراع الحفر والتأميم والمنافسة - في " ٦ " اغسطس مصر قدمت للعالم قناة السويس وأمريكا قدمت هيروشيما!.

سردية يكتبها: عادل المغازى
“تؤمم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية شركة مساهمة مصرية، وينتقل إلى الدولة جميع ما لها من أموال وحقوق، وما عليها من التزامات”.
هذا هو صوت الزعيم “جمال عبد الناصر” في ميدان المنشية، في يوم 26 يوليو 1956، وهو القرار الذي جاء بعد 100 عام من بدء نحو مليون مصري في حفر القناة بـ”السُّخرة والإجبار”.
كان قرار التأميم (نقل الملكية من الحكومة البريطانية المحتلة إلى الحكومة المصرية)، وكان قرار التأميم ردًا على قرار القوى الدولية والبنك الدولي بسحب مشروع تمويل السد العالي.
قناة السويس الجديدة
وفي 6 أغسطس من عام 2015، قدمت مصر بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، قناة السويس الجديدة، أو كما يسميها البعض (التوسعات)، قدمتها هدية للعالم من أجل الرخاء والاستقرار والأمان، عكس ما قدمته أمريكا في نفس ذلك اليوم؛ ففي 6 أغسطس عام 1945، ألقت أمريكا القنبلة النووية على مدينة هيروشيما اليابانية، حيث عُرفت القنبلة باسم “الولد الصغير”، وهيروشيما تعد موطنًا لما يقرب من 290 ألف مواطن مدني، بالإضافة إلى 43 ألف جندي.
قناة السويس المصرية هي أهم شرايين التجارة العالمية، حيث تمر عبرها 7% من تجارة العالم المنقولة بحرًا، و35% من حركة التجارة في موانئ البحر الأحمر والخليج العربي، ونحو 20% في موانئ الهند وجنوب شرق آسيا، و39% في منطقة الشرق الأقصى.
وتمثل القناة أهمية قصوى لدى مصر، فهي أحد المصادر القليلة للعملات الأجنبية بعد السياحة وتحويلات المصريين بالخارج، وهي دخل ثابت نوعًا ما مقارنة بالمصادر الأخرى من النقد الأجنبي.
الدولة العثمانية باعت القناة لفرنسا
“قناة السويس” حُفرت بالسخرة وتطهرت بالعرق وارتوت بالدم، وبموجب فرمانات ظالمة من الدولة العثمانية، وافق والي مصر محمد سعيد على شروط الامتياز الذي منحه لفرنسا، والذي انطوى على شروط مجحفة تمس سيادة مصر، وهو ما فتح الباب أمام الأطماع الأوروبية.
وقد دشن (فردينان ديليسبس) في 25 أبريل 1859 حفر القناة، في عهد محمد سعيد باشا، وانتهى العمل بها بعد عشر سنوات من الحفر، في 18 أغسطس 1869، في عهد الخديوي إسماعيل، الذي سافر إلى أوروبا في 17 مايو 1869 لدعوة الملوك والأمراء ورؤساء الحكومات ورجال السياسة والعلم والأدب والفن لحضور حفل افتتاح القناة، الذي عزم أن يقيمه في 17 نوفمبر 1869 بنفقات باهظة أضرت بخزينة الدولة المنهكة أصلًا!.
حفر القناة
وعانى العمال المصريون من مشاكل مميتة في حفر القناة، حيث كان الحفر بسواعدهم وبأدوات بدائية (الفأس والمِقطف)، وزاد المعاناة أن شركة القناة الإنجليزية نقضت وعدها بحفر قناة ماء عذب لشراب وطعام العمال، لإمدادهم بمياه نقية، وهو ما أدى لهلاك آلاف العمال المصريين الذين أنهكهم العطش، ناهيك عن انتشار الأوبئة، وانهيار الرمال الذي حصد أرواح الآلاف من المصريين، وأُجبر العمال على العمل في ظروف قاسية.. وكان أسوأ ما حدث بعد حفر قناة السويس نشأة جماعة الإخوان المسلمين بين جموع الأميين!.
حفلٍ أسطوري
وفي يوم الافتتاح، 17 نوفمبر 1869، وفي حفلٍ أسطوري أنهك ميزانية الدولة، عرض الخديوي إسماعيل أسهم مصر في القناة للبيع، فاشترتها بريطانيا! وهو ما أعطى الإنجليز الحق في الإشراف على القناة، وزاد عدد الإنجليز في مجلس إدارة الشركة إلى الثلث، خلافًا لحصة فرنسا، وتنازلت مصر فيما بعد عن حقها في الحصول على 15% من أرباح الشركة مقابل القروض.
ولكن بعد قيام ثورة يوليو 1952، عزم الرئيس جمال عبد الناصر على استرداد قناة السويس، حيث أشرف عقد الامتياز على الانتهاء في 17 نوفمبر 1968، ولكن كان من المستحيل على الإنجليز تركها. وكان السبب الرئيسي لقرار التأميم هو أن تستطيع مصر تمويل مشروع بناء السد العالي، بعد رفض البنك الدولي تمويله بضغوط أمريكية وغربية.
وكان إجمالي ما تحصل عليه القاهرة من أرباح لا يزيد على 5%، إضافة إلى الأهمية العسكرية للقناة مع نهاية الحرب العالمية الثانية وبداية الحرب الباردة بين قطبي العالم: الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي.
وريد الدورة الدموية
كانت القناة تمثل “وريد الدورة الدموية للبترول في العالم”، كما جاء على لسان وزير الخارجية البريطاني الأسبق أنتوني إيدن، الذي كانت بلاده تمتلك 44% من أسهم القناة، وفق تقارير.
وكان الهدف المباشر للتأميم هو تمويل السد العالي الذي بنته مصر لمواجهة مخاطر فيضان النيل جنوبي البلاد، بعد أن قامت الولايات المتحدة وبريطانيا والبنك الدولي بسحب العرض المصري لتمويل السد.
الخطة البريطانية (700) للعدوان الثلاثي:
توالت ردود الفعل الدولية إزاء تأميم القناة، حيث نددت بريطانيا وفرنسا بالقرار، وبعد يومٍ واحد من التأميم قررت لندن تجميد حسابات مصر الجارية، وحظر تصدير الأسلحة والإمدادات العسكرية، ومنعت تحرك مدمرات مصرية كانت موجودة في ذلك الوقت بموانئ بريطانيا ومالطا.
كما قررت باريس تجميد الأرصدة المصرية في البنوك والمصارف الفرنسية، إلى جانب سحب المرشدين الأجانب من العمل في القناة، لكن مصر تغلبت على ذلك، فكسبت الجولة الأولى من صراع التأميم.
حشدت فرنسا وبريطانيا جيوشهما وأساطيلهما، وأعلنتا حالة الطوارئ، ولوّحتا باستخدام القوة لإرغام مصر على التراجع عما اتخذته من إجراءات التأميم، واعتبرتاه نقضًا لاتفاقية الامتياز الممنوحة لشركة القناة.
وردًا على قرار التأميم، وضعت بريطانيا منفردة ما يُعرف بـ”الخطة 700″ العسكرية لاحتلال مصر، قبل أن تشترك مع فرنسا وإسرائيل فيما عُرف بـ”العدوان الثلاثي على مصر”، حيث شنت الدول الثلاث في 29 أكتوبر/تشرين الأول 1956 عدوانًا ركز على منطقة قناة السويس، قبل أن تصدر الأمم المتحدة قرارًا بوقف العمليات العسكرية وانسحاب القوات المعادية.
استرداد القناة
استردت مصر القناة بعد 150 يومًا من العدوان، وبدأت كتابة فصل جديد في تاريخها، والذي تزامن مع قرارات بتأميم البنوك وشركات التأمين والتوكيلات التجارية، التي كان معظمها في أيدي رعايا فرنسا وبريطانيا، كما تم بناء السد العالي.
كان العدوان الثلاثي بداية الاهتمام الأميركي بمصر، وقاد الرئيس “دوايت أيزنهاور” سلسلة من الخطوات الأممية لوقف الحرب، خشية الاندفاع العربي خلف مصر، والاندفاع المصري صوب الاتحاد السوفيتي، رغم وجود صدامات مع عبد الناصر، التي ظهرت بين القاهرة وواشنطن فترة رئاسته، حتى وجدت أمريكا ضالتها بعد حرب أكتوبر، كوسيط في معاهدة للسلام بين مصر وإسرائيل، وضمنت المعاهدة الموقعة عام 1979 برعاية أميركية، المعروفة بـ”كامب ديفيد”.
وهو ما فتح الباب للولايات المتحدة لاستخدام قناة السويس كممر عسكري لتحركات معداتها العسكرية حول العالم، وهو الأهم من حيث الأهمية العسكرية كممر تجاري لها، وقدمت – مثل باقي سفن العالم – التسهيلات لعبور السفن والبوارج الحربية، ومزايا لوجستية أخرى، كان أهمها على الإطلاق في حرب الخليج الأولى والثانية، وكانت تدفع الرسوم مثل جميع الدول.
غطرسة ترامب
ولكن بهواجس وغطرسة ترامب، الذي يظن أنه ملك الرقاب، وأن القناة يمكن أن تكون يومًا ما خدمة مجانية لأمريكا، وتناسى هو ومن خلفه من قُطاع الطرق الصهاينة في أمريكا، ما قدمته مصر من تضحيات على مر الزمان للحفاظ على سيادتها على كل شبر من أرضها، كي يأتي اليوم هذا “الحلوف” فيقول: (طلبت من وزير خارجيتنا أن يتولى أمر السماح بمرور سفننا عبر قناة السويس مجانًا).
والسؤال الذي يطرح نفسه، للرد على السفالة “الترامبية”: هل كان لأمريكا على مصر فضل على مر التاريخ؟ وكان آخرها حادثة جنوح “إيفر جيفن”، حتى تطلب الإعفاء من الرسوم؟