شريف عبد القادر يكتب: “مدخنو كوكو الضعيف يستغيثون”

بيان

(1)

– هل يعلم الأغلبية أنه عند إصدار قرار تنكيس لعقار قديم من الحي، لا يُسلَّم القرار إلا لصاحب العقار؟ وبعض أصحاب العقارات يرفضون استلامه، حتى لو أقر السكان بتحملهم تكلفة التنكيس، لرغبتهم في أن ينهار العقار على السكان.

– وهل يعلم الأغلبية أن السكان الذين تم إخلاؤهم من عقارات لخطورتها الداهمة منذ سنوات، لم يتسلَّموا سكناً بديلاً من شقق المحافظة، والله أعلم بظروفهم المعيشية.

– الآن علمنا مساوئ الاقتصاد الحر وتوحش رأس المال في ظل غياب الحماية الاجتماعية المطبقة في دول الاقتصاد الحر الحقيقي.

(2)

أحياناً نقرأ عن الشخص، ذكراً كان أو أنثى، المتعمد الإساءة للآخرين، بأنه “متنمر” أو “نرجسي”، وهي تسميات مستوردة. لأن هذه الفئة الضالة مصابة بنقص، نظراً لنشأتهم في بيئة منحطة، وعلاقتهم بالدين لا تتعدى مجرد ذكره في خانة البطاقة الشخصية.

وهنا، “البيئة المنحطة” لا تعني المستوى الاجتماعي، لأنه يوجد أثرياء ومصابون بالنقص، ويوجد بسطاء قانعون، حامدون، شاكرون.

وهذه الفئة الناقصة نشأت في أسر تفتقد الرضا والحمد لأحوالها، وناقمة دون مبرر، فيتولد بداخلهم توابع النقص، وهي: الحقد، والغل، وتعمد الإساءة والإضرار بمن هم أفضل منهم اجتماعياً، أو مهنياً، أو مادياً، أو أخلاقياً. ولذلك، فإن مسمى “ناقص” و”منحط” أوقع وأفضل من مسمى “متنمر” أو “نرجسي”.

وأتذكر من هذه الفئة رجل أعمال من “أثرياء الغفلة”، كان يتوسل إلى مسؤول كبير سابق، محترم، ونظيف اليد، ليعمل بشركته بعد خروجه إلى المعاش. وبعد أن وافق المسؤول على العمل معه، راح يتعالى عليه ويتعمد أن يدعه ينتظره خارج المكتب، برغم أن مقابلته له أثناء فترة خدمته كانت تُعتبر إنجازاً بالنسبة له.

ولأن رجل الأعمال مصاب بالنقص المتجذر، كان يبحث عن وسائل خبيثة وينفق عليها الكثير من المال للإضرار بمنافسيه، رغم أنهم الأقدم مهنياً وسمعتهم طيبة. ومع مرور السنين، تدهورت أحوال المصاب بالنقص، أما من حاول الإضرار بهم فظلوا مستمرين في نجاح متواصل، مما يؤكد أن “الناقص”، أو كما نقول بالعامية “الواطي”، لن يستمر، وسيأتي يوم ينهار فيه، نظراً لحبه الأذى والإضرار بالغير، وافتقاده للرضا.

ولذلك، لا بد من عدم استخدام مسمى “المتنمر” و”النرجسي”، واستخدام المسمى الواقعي: “الناقص” و”الواطي”.

نتمنى من المركز القومي للبحوث إيجاد مصل لمعالجتهم.

(3)

أتذكر أن السجائر مصرية الصنع كانت كايرو، وبوسطن، وهوليوود، وبلومنت، وفلوريدا، وكليوباترا، وكانت في الستينيات من القرن الماضي تُعبَّأ في عبوات تحتوي على عشر سجائر، ثم تطورت لتصبح عبوات تحتوي على عشرين سيجارة. وكان بعض المدخنين يشترون سجائر “فُرط”، أي سيجارتين أو أربعاً، وآخرون ممن كان سعر السجائر يُرهقهم كانوا يلجؤون إلى السجائر اللف، حيث يشترون علب دخان وورق “بفرة” لوضع الدخان فيها ولفّه ولصقه بألسنتهم لتصبح سيجارة موفّرة يدخنونها.

ومع مرور السنين، وتقريباً مع الانفتاح الاقتصادي، بدأت تظهر السجائر الأجنبية المستوردة، وكان يحملها كثيرون من العاملين بالخارج عند عودتهم إلى مصر لقضاء إجازاتهم.

وبدأ الإقبال على السجائر الأجنبية لسوء تصنيع السجائر المحلية، كما أصبح تدخين السجائر الأجنبية من قبيل التفاخر. وكثيرون كنت تجدهم أثناء سيرهم ممسكين بعلبة سجائر أجنبية، وكانت محطّ انتباه البعض، ووسيلة للتغرير بفتاة تطمح للارتباط بشاب ميسور، وكان حمل علبة سجائر أجنبية يوحي للبعض بيسر حال حاملها.

وفي نهاية سبعينيات القرن الماضي، اندثر مشترو السجائر الفُرط لتحسن الدخل، وأصبح كثيرون يدخنون السجائر الأجنبية لسعرها الذي أصبح في متناول متوسطي الدخل.

ولكن لم تستقر الأمور، حيث تم رفع أسعارها لصالح السجائر المحلية، ثم أصبح المدخنون مستهدفين عند الحاجة لمساندة خزينة الدولة في أسرع وقت.

ومع تدني الأحوال الاقتصادية، واختفاء أنواع كثيرة من السجائر المحلية، أصبحت سجائر كليوباترا في الصدارة، حيث لجأ إليها من قاطعوا السجائر الأجنبية لارتفاع أسعارها المتوالي.

وأصبح اسم التدليل الساخر لسجائر كليوباترا هو “كوكو الضعيف”. ورغم ذلك، ظل مدخنوها مستهدفين لمساندة خزينة الدولة.

وللأسف، أصبح البعض من العاملين بشركة إنتاج سجائر “كوكو الضعيف” يتواطؤون مع تجار الجملة والتجزئة في الحصول على مكاسب تفوق مساندة خزينة الدولة.

ولم تكن الشركة المنتجة لسجائر “كوكو الضعيف” تكتب على علب السجائر تاريخ الإنتاج أو السعر، حتى لا يُضار التجار الذين يقومون بتخزين كميات كبيرة، وخاصة عندما تُبلغهم الشركة بنيتها رفع الأسعار في وقت محدد مسبقاً.

ناهيك عن السجائر المُصنّعة في “بير السلم”، ويظهر اختلاف حجمها عن السجائر الرسمية، وكذلك السجائر المهرّبة من الخارج، والتي تُباع ناحية ميدان رمسيس، ويرتدي باعوها “طاقية الإخفاء” حتى لا تراهم الرقابة.

إن ما يتعرض له المدخن المصري من تحمّله لمساندة خزينة الدولة طواعية، يستدعي من الدولة حمايته من الشركة المنتجة والتجار الفجّار، الذين يحصلون منا على ما يفوق ما نقدمه لمساندة خزينة الدولة.

كما نناشد الدولة إقامة نصب تذكاري للمدخن المصري أمام وزارة المالية، وتحديد يوم يحتفل فيه وزير المالية ومحافظ البنك المركزي بذهابهما إلى النصب التذكاري، ودعائهما بموفور الصحة للمدخن المصري.

وأخيرا: “مدخنو كوكو الضعيف يستغيثون”

(4)

يتصادف أحياناً أن نشاهد من ارتكبوا جرماً في حق أبرياء من أجل الاستيلاء على أموال دون وجه حق، ومع مرور السنين نشاهد انتقام الله سبحانه وتعالى، الذي يُمهل ولا يُهمل.

ومن المشاهد التي لا أنساها، أواخر ثمانينيات القرن الماضي، حيث زرت صديقاً بمكتبه، وفوجئت بالساعي الذي قدّم لي فنجان القهوة؛ ملابسه قيمة، ومظهره وأسلوبه لا يتناسب مع طبيعة هذا العمل، وكان في سن الأربعينيات. وعندما لاحظ صديقي تعجّبي، حكى لي أن هذا الرجل كان لديه شركة تموين سفن (ship chandler)، وهذه الشركات تتعامل مع السفن التي تنتظر عبور القناة لساعات قد تطول، وتلبّي طلباتها حتى لو طلبوا لبن العصفور.

وعندما يتم تجهيز طلب سفينة، يتوجه به صاحب شركة التموين إلى السفينة ومعه الفاتورة، ويحصل على القيمة من السفينة أو من التوكيل الملاحي بعد حصوله من ربان السفينة على إفادة معتمدة. وغالباً ما يكون لدى التوكيل الملاحي رصيد مالي محوّل له من الشركة المالكة للسفينة.

وكان صاحب شركة التموين يتلاعب في قيمة الفواتير بمغافلة ربابنة السفن، ومنهم من تعرضوا للعقاب من ملاك السفن فيما بعد، وأقل عقاب كان الفصل من العمل. ومن وراء هذه الأعمال الخسيسة جمع ثروة كبيرة وامتطى أحدث السيارات. وعندما تزوج، أنجب أول طفل مصاب بشلل رباعي، وأنفق الكثير عليه، والمولود الثاني كان مثل الأول. فراح ينفق ما جناه من مال لكي يعالجهما، وانهارت شركته، وأنفق ماله، ووصل به الحال ليعمل ساعياً بشركة السياحة الخاصة بصديقي. وسبحان الله.

أثناء سفر الرئيس جمال عبد الناصر إلى يوغسلافيا، قام رئيس الوزراء زكريا محيي الدين برفع سعر كيلو الأرز نصف قرش (تعريفة.. خمس مليمات) ليصبح سعر الكيلو ثلاثة قروش ونصف بدلاً من ثلاثة قروش. وعندما عاد عبد الناصر من يوغسلافيا، ألغى قرار الزيادة.

وأبان حكم السادات، عندما لاحظ ارتفاع سعر كيلو اللحوم بتجبر، أصدر قراراً تهذيبياً بعدم الذبح ومنع تداول اللحوم لمدة شهر، لينتهي تجبر سعر اللحوم. وأشاع المغرضون وقتها أن هذا القرار بسبب صفقة دواجن مستوردة لحساب زوجته، ليتم بيعها خلال شهر منع اللحوم. وعندما انتهى الشهر، عادت أسعار اللحوم للعقلانية وأصبحت مهذبة.

وأبان حكم مبارك، وقعنا في براثن الاقتصاد الحر وتوحش القطاع الخاص، الذي يريد التربّح لأقصى درجة، والتهرب من الضرائب لأقصى درجة، وازدادت الطين بلة بزواج السلطة من رأس المال.

اقرأ ايضا للكاتب:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى