اللواء مصطفى زكريا يكتب: تحالفات معقدة وصراعات محسوبة في جنوب آسيا

في قلب جنوب آسيا، تتشابك خيوط السياسة والجغرافيا بين ثلاث قوى نووية: الصين، الهند، وباكستان. وبينما يبدو التحالف الصيني-الباكستاني في أوجه، تبقى علاقة بكين بنيودلهي أكثر تعقيدًا مما يتصوره البعض، إذ تجمعهما روابط اقتصادية عميقة في ظل توتر استراتيجي متصاعد.
الصين وباكستان ترتبطان بتحالف استراتيجي قديم، تعزز خلال العقود الماضية ليتحول إلى ما يُعرف بـ”الصداقة الحديدية”. هذا التحالف لا يقتصر على التعاون العسكري، بل يمتد إلى شراكات اقتصادية ضخمة، أبرزها مشروع “الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني” الذي يربط الصين بميناء جوادر الباكستاني، ليصبح بوابة استراتيجية نحو بحر العرب.
على الجانب الآخر، العلاقة مع الهند تُدار بحسابات دقيقة. فبينما يشهد التاريخ نزاعات حدودية مستمرة، أحدثها الاشتباكات الدامية في منطقة لاداخ، إلا أن التبادل التجاري بين بكين ونيودلهي يتجاوز 135 مليار دولار سنويًا. الهند تدرك طموحات الصين الإقليمية، والصين تعي جيدًا أن الهند قوة صاعدة لا يمكن تجاهلها، خصوصًا في ظل تقاربها مع الولايات المتحدة عبر تحالف “كواد”.
انحياز الصين لباكستان في النزاعات الأخيرة مع الهند لم يكن مفاجئًا بقدر ما هو جزء من استراتيجية “الضغط غير المباشر” على نيودلهي. بكين تستثمر في علاقتها مع إسلام آباد كورقة ضغط جيوسياسي، دون السقوط في فخ مواجهة مباشرة مع الهند، التي تظل شريكًا اقتصاديًا لا غنى عنه.
لكن الحقيقة الأهم أن الصين، رغم تحالفها الوثيق مع باكستان، تسعى للحفاظ على توازن دقيق في جنوب آسيا. فهي تدعم باكستان لتقويض نفوذ الهند، لكنها في ذات الوقت لا ترغب في إشعال صراع مفتوح من شأنه أن يعطل مشاريعها الاقتصادية الكبرى.
في نهاية المطاف، سياسة الصين في جنوب آسيا ليست قائمة على التحالفات العاطفية بقدر ما هي حسابات مصالح باردة. بكين تلعب على حافة التوازن بين شراكة اقتصادية مع الهند وتحالف استراتيجي مع باكستان، في محاولة ذكية لإبقاء الكل تحت سقف مصالحها الحيوية.