طارق صلاح الدين يوثّق: علاقة الشيخ الشعراوي بالزعيم جمال عبد الناصر

بيان
في البداية، لا بد من توضيح نقطة في غاية الأهمية، وهي أنني أفرّق تمامًا بين الشيخ محمد متولي الشعراوي رجل الدين والداعية الإسلامي، وأحد أعظم مفسري القرآن الكريم، والذي أحرص شخصيًا على متابعة حلقات تفسيره للقرآن الكريم، وبين الشيخ الشعراوي الإنسان والمواقف التي تتعلق بشخصه.
الشيخ الشعراوي الإنسان مسؤول عن كل ما قاله وفعله، وعن كل ما حدث أثناء تولّيه منصب وزير الأوقاف وشؤون الأزهر في وزارة السيد ممدوح سالم، وكذلك انضمامه عام 1976 إلى حزب مصر العربي الاشتراكي الحاكم.
ومن المعروف أن الشيخ الشعراوي ألقى كلمة بمناسبة افتتاح أحد المعاهد الدينية، وقال فيها: “إننا نحتفل الآن بافتتاح معاهد تعلّم الإيمان، وفي السابق كانت تقام الاحتفالات بافتتاح معاهد الإلحاد”.
وكان يرافق الشيخ الشعراوي في هذا الافتتاح الدكتور عبد الحليم محمود، الذي شغل منصب وكيل الأزهر في عهد الرئيس عبد الناصر.
وكذلك الشيخ الشعراوي نفسه كان موظفًا مرموقًا في وزارة الأوقاف في نفس زمن “الاشتراكية الملحدة” التي أطلقها على عصر عبد الناصر، ولم يتقدّم أبدًا باستقالته اعتراضًا على هذه الاشتراكية.
وقبل التعرض لما ذكره الشيخ الشعراوي بشأن الرئيس عبد الناصر، سأتوقف قليلًا أمام فيديوهين للشيخ الشعراوي متاحين على “يوتيوب” لمن يريد مشاهدتهما.
الفيديو الأول:
في إطار برنامج “من الألف إلى الياء”، توجّه مقدم البرنامج الإعلامي طارق حبيب بالسؤال إلى الشيخ الشعراوي عن رأيه في جماعة الإخوان المسلمين، فأجاب بالحرف الواحد بما يلي:
“كنتم شجرةً ما أروع ظلالها وأروع نضالها، رضي الله عن شهيد استنبتها، وغفر الله لمن تعجل ثمرها”.
بالصوت والصورة سجّل الشيخ الشعراوي هذا الرأي في جماعة الإخوان المسلمين بعد سنوات طويلة من قيام الجماعة باغتيال المستشار الخازندار والنقراشي باشا رئيس الوزراء في العصر الملكي، والذي أشرف حسن البنا بنفسه على عملية اغتياله وأصدر الأوامر بها، وفقًا لاعتراف منفّذها أمام النيابة العامة.
وبعد سنوات عديدة من استهداف الجماعة للرئيس عبد الناصر في ميدان المنشية عام 1954، وهو ما اعترف به قادة الجماعة في كتبهم، وعلى رأسهم علي عشماوي في كتابه التنظيم السري للإخوان المسلمين.
الفيديو الثاني:
وثّق الشيخ الشعراوي رأيه في سيد قطب، إرهابي جماعة الإخوان المسلمين (تنظيم 1965)، قائلًا بالحرف الواحد:
“رحم الله صاحب الظلال الوارفة الشيخ سيد قطب، فقد استطاع أن يستخلص من هذه الغزوة مبادئ إيمانية عقدية، لو أن المسلمين في جميع بقاع الأرض جعلوها نصب أعينهم، لما كان لأي دولة من دول الكفر عليهم غلبة”.
وأتوقف هنا طويلًا أمام سيد قطب، الذي وصفه الشيخ الشعراوي بـ”صاحب الظلال”، وكان يجب أن يصفه بصاحب الإرهاب والتفجيرات، وأستخلص الدليل على ما أقول من كتاب الإخوان المسلمون والتنظيم السري لمؤلفه الدكتور عبد العظيم رمضان، أحد أعدى أعداء عبد الناصر، والذي ذكر في صفحة 319 من الكتاب اقتراحات سيد قطب بالاغتيالات، وتدمير المنشآت، واستهداف رئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء، ورئيس المخابرات، والمشير عامر، ومدير مكتبه، وتدمير محطات كهرباء القاهرة، وقناطر محمد علي، ومختلف الكباري.
ويؤكد أحمد عبد المجيد، أحد أبرز أقطاب جماعة الإخوان المسلمين، هذه الحقائق في كتابه الإخوان وعبد الناصر: القصة الكاملة لتنظيم 1965، ويوضح أن تسلُّم السلاح بعد وصوله من السودان قام به علي عشماوي، وتم التدريب على هذا السلاح، وحُصرَت العمليات التي ستتم داخل مصر، وتم تحديد كل مجموعة ومهامها.
وأكتفي بهذا القدر من الأدلة التي تثبت إجرام وإرهاب سيد قطب، الذي وصفه الشيخ الشعراوي بصاحب الظلال.
وأنتقل إلى ما ذكره الشيخ الشعراوي في حديث للتلفزيون المصري بشأن هزيمة الجيش المصري في حرب يونيو 1967، حيث أكد أنه صلى ركعتين شكرًا لله على هذا “الانتصار الإسرائيلي” واحتلال اليهود الإسرائيليين للقدس، وسيطرتهم على المسجد الأقصى، ومقتل عشرة آلاف وثلاثمائة ضابط وجندي مصري.
وعاد الشيخ الشعراوي ليؤكد في حديث له أدلى به لمجلة صباح الخير بتاريخ 24 يونيو 1993 مع الكاتب الصحفي مفيد فوزي، الذي سأله قائلًا:
“قضية أخرى أريد أن أستوثق منها، وهي: هل صليتَ ركعتين شكرًا لله بعد هزيمة 1967 وكنتَ وقتذاك في الجزائر؟”
فقال الشيخ الشعراوي: “هذا صحيح ولا أنكره”.
فقال مفيد فوزي: “ولكنها الهزيمة يا فضيلة الشيخ، وهي هزيمة وطن، وليست هزيمة حاكم أو نظام”.
فقال الشعراوي: “لو كنا انتصرنا ونحن في أحضان روسيا، لعزَت روسيا النصر لها، وأنا عندي مفهوم للسياسة أنها فيما فوَّض الله فيه الخلق.
وقد سبق أن سُئلت هذا السؤال أكثر من مرة، وأجبت عليه أكثر من مرة دون تغيير لإجابتي”.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو:
ما هو الحكم في رجل دين مسلم سمع نبأ انتصار اليهود على المسلمين، وقيام اليهود بالسيطرة على المسجد الأقصى واحتلال القدس، فقام وصلى ركعتين شكرًا لله، وجاهر بذلك أكثر من مرة؟
وللأسف، لم يعترض أحد على هذا الكلام إلا د. رفعت السعيد، الذي كتب مقالًا في صحيفة الأهالي الصادرة عن حزب التجمع، وانتقد فيه الشيخ الشعراوي على هذا الفعل.
كما نشرت جريدة العربي الناصري مقالًا في عددها الصادر بتاريخ 12 يوليو 1993 بعنوان:
“سؤال إلى شيخ الأزهر والمفتي: هل يتقبل الله صلاة الشيخ الشعراوي؟”
وأنا هنا أسأل: ما الذي تغير في موقف الجيش المصري أثناء حرب 1973 عن موقفه أثناء حرب 1967 فيما يتعلق بالسلاح الروسي؟
وهل انتصرت مصر في حرب أكتوبر 1973 بغير سلاح روسيا “الملحدة”؟
وما هي “أحضان الشيوعية” التي كان الرئيس عبد الناصر مرتميًا فيها؟
وهل كانت الشيوعية مسيطرة على حياة الدولة المصرية في عصر عبد الناصر؟
لقد قام الرئيس عبد الناصر بأكبر حملة اعتقالات للشيوعيين عام 1959 في أوج العلاقات المصرية السوفيتية، ورفض أي تعليقات رسمية سوفيتية على هذه الاعتقالات، وحدثت حالة فتور وصلت إلى العداء في التصريحات المتبادلة بين عبد الناصر وخروتشوف.
بخلاف ما حدث من عداء ظاهر وصريح قبل وأثناء الوحدة مع سوريا بين عبد الناصر وخالد بكداش زعيم الحزب الشيوعي السوري.
ولست هنا بصدد ذكر مواقف عديدة أخفق فيها الشيخ الشعراوي أثناء توليه وزارة الأوقاف، ولكني أتوقف أمام حادثة واحدة فقط خاصة بالرئيس أنور السادات.
وكالعادة في تقديمي للمراجع والأدلة، فإنني أنقل الواقعة من مصدرها الرئيس، وهي مجلة الدعوة، التي ذكرت في عددها الصادر بتاريخ الأول من أبريل 1978 أنه في جلسة مجلس الشعب يوم الإثنين 19 ربيع الأول، قدَّم الأستاذ عادل عيد استجوابًا لوزير الأوقاف الشيخ محمد متولي الشعراوي عن اضطراب الأوضاع المالية بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، وتقصير الوزارة في الإشراف عليه.
فقام الشيخ الشعراوي بالرد على الاستجواب، وقام أعضاء المجلس 19 مرة بالتصفيق له، وقد انطلق يندد بعصر عبد الناصر، ويشيد بالسادات، قائلًا:
“أين كانت تلك البطولات التي تظهر اليوم بشأن التعدي على بعض أموال المجلس أو بعض التعدي على اختصاصاته، وقت أن كانت تُراق دماء الأبرياء، ويُعتقل الشرفاء، ويُعتدى على العرض، دون أن نسمع همسة تنكر ما يحدث أمام الناس جميعًا؟
والذي نفسي بيده، لو كان لي من الأمر شيء، لحكمت للرجل أنور السادات، الذي رفعنا كل تلك الرفعة، وانتشلنا مما كنا فيه إلى القمة، أن لا يُسأل عمَّا يفعل”.
وهنا علقت مجلة الدعوة بقولها:
“من حق الشيخ الشعراوي أن يقدِّر الرجال كما يشاء، ولا اعتراض لنا على ذلك، ولكن أن يقول عن رئيس الجمهورية إنه لا يُسأل عما يفعل، فنعتقد أن السيد رئيس الجمهورية لا يُقره، بالإضافة إلى أننا كمسلمين لا نرضى بذلك بتاتًا”.
ووقف العضو عاشور محمد نصر وقال:
“من الجائز أن أكون رجلًا جاهلًا لم يتيسر لي فهم كلام الشيخ محمد متولي الشعراوي، واليوم أستغفر الله وكنا نستغفره، لأنني لا أسمح لنفسي أبدًا أن أسمع أن السادات لا يُسأل عما يفعل، لأن السادات من الناس، وسيد الناس يُسأل عمَّا يفعل، والسادات ليس أفضل من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إن الله وحده هو الذي لا يُسأل عمَّا يفعل، وهذه صفة من صفاته، ولا أحد يشاركه في هذه الصفة، وقد قال عز وجل: “لا يُسأل عمَّا يفعل وهم يُسألون”.
وأعلِّق أنا على هذه الواقعة تعليقًا مختصرًا في صيغة تساؤل:
“ألم يرفع الشيخ الشعراوي بهذا القول أنور السادات إلى مرتبة الألوهية بأن لا يُسأل عما يفعل؟”
وإذا كانت الإجابة “لا”، فبماذا يتم تفسير قول الشيخ الشعراوي؟
وأنتقل إلى ما ذكره الشيخ الشعراوي عن الرئيس عبد الناصر، قبل سنوات من نقده لدولة عبد الناصر ووصفها بدولة مراكز القوى والإلحاد، فقد سبق للشيخ الشعراوي رثاء الرئيس عبد الناصر، وكتب مقالًا مطولًا موجودًا في صفحة 135 من كتاب الشيخ الشعراوي وفتاوى العصر، قال في بدايته:
“قد مات جمال، وليس بعجيب أن يموت، فالناس كلهم يموتون، ولكن العجيب أن يعيش معنا، وقليل من الأحياء يعيشون، وخير الموت ألا يغيب المفقود، وشر الحياة في مقبرة الوجود، وليس بالأربعين ينتهي الحداد على الثائر المثير، والملهم الملهم، والقائد، والزعيم بلا زَعْم… إلى آخر المقال”.
أما آخر مواقف الشعراوي مع الزعيم جمال عبد الناصر، فيتجسد في رؤية الشيخ الشعراوي للزعيم عبد الناصر في منامه، وقد جاء يُقدِّم للشعراوي شيخين معممين، أحدهما يمسك بسماعة طبيب، والآخر يمسك بمثلث وبرجل هندسي.
ويقول الشيخ الشعراوي إنه فهم من هذه الرؤية أن الرئيس عبد الناصر يقول له إنه أدخل دراسة الطب والهندسة إلى جامعة الأزهر ليصبح لدينا الطبيب الأزهري والمهندس الأزهري، وربما يغفر الله له بهذا ما يؤخذ عليه، فقرَّر الشيخ الشعراوي بعد كلمة عابرة قالها في حق عبد الناصر أن يزور ضريحه ويقرأ الفاتحة على روحه الطاهرة.
وفي 29 أكتوبر 1995، زار الشعراوي ضريح عبد الناصر، وفقًا لصحيفة الأهرام التي نشرت الخبر وصورة الشعراوي رافعًا يديه وهو يقرأ الفاتحة في خشوع.

ويضيف الشعراوي أنه يجب على الإنسان ألا يسيء الظن بفعل أحد، وأن يترك سرائر الناس لله وحده.
……………………………………………………………………………………………………….

- الموضوع فصل من كتاب عبدالناصر بلا تشويه. الجزء الرابع.