إسرائيل-نتنياهو في عزلة غير مسبوقة.. موقف مصر والعرب وتحّول ترامب

كتب: عاطف عبد الغنى
تشهد الساحة الدولية حراكاً دبلوماسياً متسارعاً في ظل استمرار حرب غزة التي دخلت، وسط ضغوط متصاعدة من عواصم القرار الغربية والعربية على الحكومة الإسرائيلية.
وتتجه المؤشرات إلى أن تل أبيب تواجه عزلة غير مسبوقة على الصعيدين الدبلوماسي والسياسي، مع اتساع نطاق العقوبات الأوروبية وتنامي التململ الأمريكي والعربى من استمرار العمليات العسكرية فى غزة.
ترامب يغيّر قواعد اللعبة
ومنذ بداية حرب غزة الأخيرة، حافظت إدارة الرئيس دونالد ترامب على دعمها التقليدي لإسرائيل، إلا أن تصاعد الكلفة الإنسانية للحرب، واحتدام الانتقادات في الداخل الأمريكي، دفع واشنطن إلى إعادة النظر في دعمها غير المشروط.
ووفقًا لما نقلته قناة العربية، فقد نقل ترمب رسائل حازمة إلى حكومة نتنياهو خلال جولته الخليجية، قال فيها بوضوح إن استمرار الحرب “سيقود إلى فك ارتباط استراتيجي مؤلم من قبل الولايات المتحدة”.
وتشير تقارير أخرى إلى أن هذا التحول لم يكن فقط بدافع الاعتبارات الإنسانية، بل نتيجة ضغوط من وزارة الدفاع (البنتاغون) التي ترى أن الحرب تعرّض القوات الأمريكية في المنطقة للخطر، وقلق من انهيار الهدوء في الضفة الغربية مما يهدد مصالح أمنية أمريكية.
حسابات انتخابية
ومع اقتراب استحقاقات الكونغرس، تفرض الحسابات الانتخابية فى الداخل المريكى نفسها، حيث تعلو أصوات القواعد الشبابية والديمقراطية المطالبة بوقف الدعم لإسرائيل.
أوروبا تتخلى عن صمتها – عقوبات ومواقف صارمة
ومن جانب أخر وللمرة الأولى منذ عقود، تتخذ بريطانيا، الحليف الوثيق لإسرائيل، خطوات عقابية صريحة، تمثلت فى فرض عقوبات على 10 شخصيات من المستوطنين المتطرفين، وعلقت المحادثات بشأن اتفاقية التجارة الحرة مع تل أبيب، كما استدعت السفير الإسرائيلي للتشاور أكثر من مرة خلال أسبوع واحد.
أما فرنسا فقد دعت عبر الرئيس ماكرون إلى وقف العمليات “فورًا ومن دون شروط”، في حين وصف وزير خارجية ألمانيا المشهد في غزة بأنه “كارثة أخلاقية وسياسية لإسرائيل”.
كما ذكرت صحيفة الـGuardian البريطانية أن هناك توجهات داخل الاتحاد الأوروبي لمراجعة اتفاق الشراكة العلمية مع إسرائيل.
موقف مصر
ويبرز موقف مصر الرسمي، فى الأحداث بشكل كبير، متمثلا فى دعم مبادرة وقف الحرب وتحذير من التدهور الإقليمي، وفى تكرار الرئيس عبد الفتاح السيسي في أكثر من مناسبة أن “التهدئة الفورية” هي الأولوية القصوى، وأن استمرار الحرب “يهدد الأمن الإقليمي برمّته”.
وعلى المستوى الدبلوماسى فقد أكدت القاهرة في أكثر من بيان رسمي الرفض بشكل قاطع لاستهداف جيش الاحتلال للمدنيين”، ودعت إلى “فتح ممرات آمنة لإغاثة سكان غزة.
وطرحت مصر – وفق تصريحات لمسئولين – مبادرة تهدئة من ثلاث مراحل كالتالى:
وقف فوري لإطلاق النار.
تبادل جزئي للأسرى.
بدء مفاوضات بوساطة دولية حول التهدئة طويلة الأمد وإعادة الإعمار.
مواقف ضمنية وتحركات ميدانية
ومع الضغوط يتم فتح معبر رفح بشكل استثنائي لدخول المساعدات، رغم استهدافه مرارًا خلال الحرب، وتحدثت مصادر من الهلال الأحمر المصري عن “ضغوط هائلة” من الحكومة المصرية لتسريع إدخال الإمدادات الطبية.
ويتم التنسيق الأمني مع المقاومة وحماس عبر الاستخبارات العامة، في قنوات خلفية تهدف إلى منع التصعيد الإقليمي.
وتمارس مصر ضغوطًا على إسرائيل عبر حلفاء واشنطن – خصوصًا السعودية – لإيصال رسائل واضحة بأن استمرار الحرب “قد يدفع سيناء للانفجار”، بحسب تعبير مسؤول مصري أدلى بتصريحات إعلامية.
موقف مصري شعبي
وفي الشارع المصري، خرجت مظاهرات طلابية ونقابية مناوئة لإسرائيل في عدد من الجامعات الكبرى، والنقابات المهنية، مثل نقابتى الصحفيين والأطباء، اللتان أصدرتا بيانات تندد بـ”الإبادة في غزة”، وطالبتا بقطع العلاقات الدبلوماسية.
وكذلك تم رُصد ارتفاع في التغطيات الإعلامية الرسمية المنددة بإسرائيل، وهو ما فُسِّر على أنه إشارة إلى غضب القاهرة على تصرفات تل أبيب، مع ممارسة أقصى مدى من ضبط النفس لمنع الانزلاق نحو مواجهة مفتوحة.
وعلى الإجمال يمكن القول إن مصر تتخذ موقفًا مركبًا من محورين، الأول يتمثل فى كونها وسيطا إقليميا فاعلا لا يمكن تجاوزه في أية معادلة لغزة،والثانى مواصلة الضغوط بوسائل معلنة، وغير معلنة – وعبر أطراف ثالثة – لتُظهر استياءها من استمرار الحرب.
كما أن مصر تحرص على الحفاظ على التوازن الدقيق بين علاقتها بالولايات المتحدة، واستجابتها لمشاعر الشارع المصري والعربي.
ورقة التطبيع على الطاولة
يأتى هذا فى الوقت الذي كانت تعوّل فيه إسرائيل تعوّل على مكاسب التطبيع مع دول الخليج، جاء الرد الخليجي هذه المرة مختلفًا، حيث أوقفت المملكة العربية السعودية قنوات التواصل العلنية وألغت مؤتمرات اقتصادية مشتركة كانت مقررة في جدة والرياض.
وكذا أوقفت الإمارات زيارات رسمية ودبلوماسية، وأجلت اجتماعات استثمارية مع شركات إسرائيلية.
أما قطر – التي لم تطبع رسميًا – ولعبت دور الوسيط الضاغط، رفضت استقبال وفد أمني إسرائيلي.
وبحسب تقرير نشرته صحيفة هآرتس، أبلغت الرياض واشنطن أنها لن تمضي في اتفاقيات التطبيع، وأنه “لا يمكن الحديث عن سلام بينما تُقصف غزة.”
داخل إسرائيل – تحالف هش وغضب شعبي
وتزامنت الضغوط الخارجية مع تصدعات داخلية فى إسرائيل التى تزايدت فيها احتجاجات أهالي الجنود الأسرى لدى المقاومة الفلسطينية، واتهموا نتنياهو بـ”الكذب والتضليل”، وخرج آلاف المتظاهرين في تل أبيب والقدس مطالبين بوقف الحرب وإجراء انتخابات مبكرة.
وحذرت شخصيات بارزة داخل المؤسسة الأمنية، من بينها رئيس الأركان السابق جادي آيزنكوت، من انهيار العلاقة مع الحلفاء الاستراتيجيين.
كما صرّح مصدر بالخارجية الإسرائيلية لصحيفة يديعوت أحرونوت قائلا: “نواجه عاصفة دبلوماسية عاتية. لقد هبطت مكانتنا الدولية إلى مستوى لم نعرفه حتى في عز الانتفاضة الثانية.”
كيف ينظر الفلسطينيون إلى هذه الضغوط؟
وعلى الرغم من أن أوساط المقاومة الفلسطينية تتجنب التصريح الرسمي، إلا أن مؤشرات عدة تعكس قراءتهم الإيجابية للموقف الدولي، حيث وصف قادة في حركة حماس الموقف الأوروبي بأنه “تحول استراتيجي متأخر، لكنه مرحّب به”.
ودعت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين إلى ترجمة هذه المواقف إلى إجراءات عملية، مثل حظر تصدير السلاح لإسرائيل، فيما تلقى الشارع الفلسطيني، في غزة والضفة، هذه التحولات بشيء من الأمل، لكن بحذر.
التطورات الراهنة تشي بأن حكومة نتنياهو تواجه ثلاث جبهات متزامنة، تتمثل فى أولا: ضغوط خارجية متزايدة من الحلفاء الغربيين والخليجيين، ثانيا: احتقان داخلي واسع ينذر بانفجار سياسي محتمل، ثالثا: استعصاء عسكري في غزة وسط صمود غير متوقع للمقاومة.
وإذا ما استمرت هذه العوامل في التصاعد، فقد يكون نتنياهو أمام خيارين أحلاهما مر: وقف الحرب بشروط دولية أو مواجهة انهيار حكومته.
……………………………………………………………………….
المراجع:
قناة العربية – تقرير خاص عن جولة ترمب الخليجية، مايو 2025
يديعوت أحرونوت – مقابلة مع مصدر بالخارجية الإسرائيلية
الشرق الأوسط – تقرير: السعودية تربط التطبيع بوقف الحرب
هآرتس – تحليل: الخليج يلوّح بالعزلة
الغارديان – بريطانيا تفرض عقوبات على مستوطنين