ورقة إسرائيلية تحرّض على استهداف “القرض الحسن”: هل بدأت مرحلة جديدة من التصعيد؟

كتب: أشرف التهامي
مقدمة:
نشر مركز “ألما” الإسرائيلي، اليوم، عبر موقعه الرسمي، ورقة موقف تسلط الضوء على مؤسسة “القرض الحسن” التابعة لحزب الله اللبناني، وتتناول ما وصفته بـ”الدور المحوري” الذي تلعبه المؤسسة في دعم أنصار الحزب وتأمين قنوات التمويل له، إلى جانب مساهمتها، بحسب التقرير، في تعزيز نفوذ الحزب في مختلف مناحي الحياة اللبنانية.
الورقة التي تأتي في سياق سلسلة من التقارير التحريضية التي دأب المركز الإسرائيلي على إصدارها، لم تكتفِ بعرض معلومات عن المؤسسة، بل دعت بشكل مباشر وصريح إلى استهداف فروعها وأنشطتها داخل لبنان، باعتبارها، وفق زعمهم، جزءًا من البنية التحتية لحزب الله.
وتكمن الخطورة في مثل هذه الأوراق، ليس فقط في محتواها، بل في السياق العملي الذي يتبع عادةً صدورها؛ إذ رُصد في مرات عديدة سابقة أن قوات الاحتلال الإسرائيلي تقوم باستهداف مواقع أو منشآت ورد ذكرها في تقارير “ألما”، ما يثير تساؤلات جدية حول ما إذا كانت المؤسسة هذه المرة على رأس بنك أهداف قادم.
في ضوء هذا، تبقى الاحتمالات مفتوحة بشأن نية إسرائيل اتخاذ خطوات عملية ضد مؤسسة “القرض الحسن”، خاصة في ظل التصعيد المستمر على أكثر من جبهة، مما يستدعي رقابة لصيقة للتطورات الميدانية خلال الأيام المقبلة.
ونحن بدورنا نضع بين أيديكم مضمون الورقة كما ورد في المصدر الإسرائيلي دون تدخل أو تحريف، لنكشف ما تحمله من إشارات ودلالات خطيرة ضد مؤسسة ذات طابع اجتماعي ومدني، تخدم شرائح واسعة من الشعب اللبناني، الذي يستحق أن يعيش بسلام وكرامة بعيدًا عن استهداف ممنهج لحياته اليومية وأمنه الاقتصادي والاجتماعي.
نص الورقة الإسرائيلية
في 21 أكتوبر/تشرين الأول 2024، شنّ سلاح الجو الإسرائيلي غاراتٍ مُستهدفةً عشرات فروع بنك القرض الحسن، بهدف تعطيل الشبكة المالية لحزب الله. وجاءت هذه الغارات في إطار جهدٍ أوسع نطاقًا لإضعاف القدرات العسكرية لحزب الله وسيطرته على الشعب اللبناني.
على الرغم من حملة الغارات الجوية المذكورة، فإنّ مركزية البنك في عمليات حزب الله اليوم واضحة: فهو يُمكّن حزب الله من إعادة تأهيله وتمكينه من جديد بعد الحرب.
يُمثّل بنك القرض الحسن العمود الفقري المالي لتمويل أنشطة حزب الله، ويُشكّل قناةً ماليةً حيويةً للحفاظ على “دولة حزب الله”، التي تُموّلها إيران، مما يُقوّض المؤسسات الرسمية اللبنانية، ويُعمّق الأزمة الاقتصادية في البلاد.
لم تُحرّك الحكومة اللبنانية بعدُ حلّ البنك بعد قرابة سبعة أشهر من الغارات على فروعه، على الرغم من دعم الولايات المتحدة لمثل هذا الإجراء.
عمليًا، الواقع هو عكس ذلك تمامًا: فقد عمل حزب الله على إعادة تأهيل الفروع التي تعرضت للهجوم ماديًا، وهو بصدد إعادة فتحها.
ومن الأمثلة البارزة على ذلك الفرع المركزي في حي زقاق البلاط ببيروت، وهي منطقة ذات أهمية رمزية وشعبية، لا سيما لدى الطائفة الشيعية في المدينة.
بعد أشهر من أعمال إعادة التأهيل المكثفة، انتشرت مقاطع فيديو توثق ترميم حزب الله للمبنى بأكمله. وأُعيد افتتاح الفرع في 19 مايو/أيار 2025.
في الصورة: أحد مؤيدي حزب الله يعرض مراحل ترميم الفرع المُهاجم مع تعليق: “هذه المؤسسة لن تنهار، افعلوا ما شئتم”. شاهدوا أيضاً فيديو ترميم الفرع وإعلان موعد إعادة افتتاحه.
إلى جانب الحاجة التشغيلية، يُستغلّ حزب الله إعادة تأهيل فروع بنك القرض الحسن وإعادة افتتاحها كأداة معرفية مهمة للقاعدة الشيعية: إذ يُظهر الصمود والعزيمة والقدرة على التعافي بسرعة رغم الأضرار التي ألحقتها الهجمات الإسرائيلية. رمزٌ للعودة إلى الحياة الطبيعية، والاستقلال الاقتصادي، والشعور بالأمن الوظيفي – رسائل موجهة مباشرةً إلى القاعدة (انظر الملحق للاطلاع على أمثلة لحملة حزب الله على وسائل التواصل الاجتماعي في هذا السياق(.
جاء توقيت إعادة افتتاح الفرع المركزي في زقاق البلاط استراتيجياً لدعم الحملة السياسية لحزب الله خلال الانتخابات البلدية. فقد اعتبر حزب الله هذه الانتخابات اختباراً سياسياً مهماً للحفاظ على قوته.
يجب ألا يُسمح للحكومة اللبنانية بمنح اللجوء لبنك القرض الحسن أو ما شابهه من مؤسسات بدعوى أنها تخدم احتياجات مدنية. يبدو، حتى كتابة هذه السطور، أن دولة لبنان لا تستطيع (وربما لا ترغب أيضًا) في التعامل مع هذه القضية.
نُشر مؤخرًا أنه، نتيجةً لضغوط أمريكية مكثفة، وجّهت دولة لبنان (بحذر، كما يجب القول) رسائل إلى حزب الله بشأن دراسة إغلاق بنك القرض الحسن. إلا أن رد حزب الله وتحذيره من أن مثل هذا الإجراء قد يؤدي إلى “انفجار” أوضح للحكومة اللبنانية، في هذه المرحلة، حدود قدرتها واستعدادها…
يجب ألا يكون هناك أي تسامح مع نشاط بنك القرض الحسن. تفكيكه بالكامل يتطلب ضغطًا مستمرًا. في الوضع الراهن، فإن الضغط الأمريكي المكثف على الحكومة اللبنانية غير كافٍ.
يجب أن يكون هناك ضغطٌ متواصلٌ من إسرائيل، يتجلّى في ضرباتٍ متكررةٍ ومتنوّعةٍ على فروع البنك، في إطار الجهود المبذولة لمنع إعادة تأهيل حزب الله، على غرار الضربات المتكررة التي شُنّت ضدّ عناصر ومواقع وأنشطةٍ مرتبطةٍ بإعادة تأهيله العسكري.
حزب الله عازمٌ على إعادة تأهيل نفسه وتمكينه مدنيًا وعسكريًا، ويحظى بدعمٍ إيرانيٍّ في هذا الصدد. ويُعدّ بنك القرض الحسن ركيزةً أساسيةً في هذه العملية.
قد تدفع حملةٌ عسكريةٌ إسرائيليةٌ مُركّزةٌ ومتواصلةٌ ضدّ فروع البنك لبنانَ إلى التحرّك، ما يشجعه على إغلاق بنك القرض الحسن وغيره من الكيانات.
ملحق – حملة التواصل الاجتماعي
في إطار حملة حزب الله للحفاظ على الدعم الداخلي بشكلٍ عام، ولتوسيع نطاق إعادة فتح فروع بنك القرض الحسن بشكلٍ خاص، نُشرت رسائلٌ عاطفيةٌ وشعبويةٌ على وسائل التواصل الاجتماعي تُمجّد مساهمة حزب الله – اقتصاديًا وطبيًا وأمنيًا – وتُقارنه بالكيانات اللبنانية “الفاشلة”. فيما يلي أمثلة على منشورات بارزة حظيت بتغطية واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي:
يوم ضغط علينا الوضع الاقتصادي، انفتحت لنا أبواب السجاد (سلسلة متاجر حزب الله)
يوم أغلقت الصيدليات، انفتحت لنا صيدليات المرتضى.
يوم نهبت البنوك أموالنا، انفتح لنا القرض الحسن.
يوم هددنا الخطر، ضحى بدمه وروحه لحمايتنا.
ثم جاء أحدهم، بلا خجل ولا ولاء، وقال: ماذا قدموا لنا، فلماذا أعطيهم صوتي؟!
أودعت ذهبًا في القرض الحسن، وأخذت قرضًا، مرّ عام ونصف دون أن أدفع قسطًا واحدًا – لم يتصلوا بي، ولم أسمع منهم كلمة… هذا لا يرضي الجاحدين – يريدون البنوك اللصوص، الذين نهبوا الشعب وأمواله. #الأمة_الغبية

………………………………………………………………………………………………………
المصدر: