عاطف عبد الغني يكتب: صورة رديئة لواقع يحتاج لإعادة نظر

بيان
ما كان يومًا سلوكًا فرديًا طارئًا، أصبح اليوم – للأسف – نمطًا من أنماط إثبات الذات، والرجولة المفرطة، والبطولة النبيلة، والقدرة علي التكيف ومعاركة الواقع وقهره، في أحياء فقد فيها القانون هيبته، وفقدت العدالة الاجتماعية معناها الحقيقي، وصار المثل الدائر “البيت اللي مفيهوش صايع حقه ضايع”، يعكس القناعة القيمية لتلك الخرابات الإنسانية التي لا تخاف ولا تختشي.
في الأزقة والحارات المنسية، البلطجي لم يعد مجرد مجرم عابر، أو شخصًا مرفوضًا اجتماعيًا ومرذول ومُقاطع.. لا، بل علي العكس صار البلطجي شخصية اجتماعية تُستدعي أحيانًا لتسوية الخلافات، أو لطلب الحماية، أو استلاب حقوق الغير بالقوة، وعرفنا فيما سبق أن البلطجي كان طرفًا أصيلاً مشاركًا في صراعات سياسية!.
البلطجة ليست نتاج ثورة 25 يناير 2011، الحق أن الظاهرة كانت قد تفشت قبلها بسنوات، نتاج الفراغ الذي خلفته أنظمة الحكم ، والسياسات والظروف الاقتصادية الضاغطة علي الطبقات الفقيرة والدنيا في المجتمع.
وفي مرحلة ما بعد ثورة يناير ومع تراجع القبضة الأمنية، وتفشي البطالة، والزيادة الكبيرة في نسب تعاطي المخدرات (بدأت رحلة بعض الشباب في تعاطي المخدرات من ميادين الثورة التي كان يوزع فيها الترامادول لرفع القدرة الجسمانية للمشاركين، وبعدها داوم البعض علي تعاطي المخدرات التخليقية ( أعرف نماذج بعينها حدث معهم هذا ).
ويضاف إلي ما سبق، للأسف، تآكل منظومة القيم في بعض البيئات، وغياب نماذج القدوة، ومع “تلميع” البلطجي في الدراما والإعلام، كان طبيعيًا أن نصحو علي واقع يفرض فيه “فتوة الشارع” كلمته، لا القانون.
والبلطجة لم تعد مقتصرة علي الطبقات المهمشة، أو البيئات الفقيرة كما يظن البعض، لكنها حاضرة في كل الشوارع، وعلي الطرق، وفي الجامعات، وأحيانًا في مكاتب بعض المسئولين، حين يُمارس القهر باسم السلطة.
وهنا لابد للمجتمع كله، بكل مؤسساته وأفراده من وقفة حقيقية، وعلينا أن نسأل أنفسنا: هل نكتفي في مكافحة الظاهرة بالحلول الأمنية؟!.. هل يكفي أن نقبض علي البلطجي ليحبس أيامًا أو شهورًا ويفرج عنه ليعود الأمن يقبض عليه من جديد ليحبس أيامًا أو شهورًا ويصير مسجلاً (سوابق) فيخشاه الآخرون أكثر؟!.
هل نترك مجتمعنا يتحول إلي غابة يحكمها مَن يجيد رفع صوته أكثر، أو يُشهر سلاحه ويروع به الآخرين؟!.. ما الحل؟!.
الحل أننا بالفعل في حاجة إلي مشروع وطني حقيقي لمواجهة البلطجة، لا مشروعًا أمنيًا فقط.. مشروعًا اجتماعيًا وثقافيًا يضم الإعلام، والتعليم، والمؤسسات الدينية، والمجتمع المدني، ونعيد النظر في التشريعات للردع وليس للعقوبة في حد ذاتها.
نحتاج إلي إعادة تعريف “القوة” في وعي الناس، إلي ربط الرجولة بالكرامة لا بالعنف، وإلي تقديم نموذج “القدوة” الحقيقي الذي يُحب الناس أن يتبعوه لا أن يخشوه.