د. محمد إبراهيم بسيوني يكتب: باريس سان جيرمان.. هوية بلا حدود في عالم جديد

بيان

باريس سان جيرمان ليس مجرد نادٍ لكرة القدم، بل هو مرآة تعكس تحوّلات العالم الحديث، حيث لم تعد الهوية الوطنية تُقاس بالجنسية أو المولد، بل بالاستثمار والرؤية والنجاح، أياً كان مصدرها.

النادي الباريسي مملوك بالكامل لجهاز قطر للاستثمار، ويرأس مجلس إدارته القطري ناصر الخليفي، ويقوده فنيًا المدرب الإسباني لويس إنريكي. وعلى أرض الملعب، لا تضم التشكيلة الأساسية للفريق سوى لاعبين اثنين فقط من الجنسية الفرنسية، فيما البقية يمثلون جنسيات متعددة، من البرازيل إلى المغرب، ومن إيطاليا إلى كوريا الجنوبية.

ورغم هذا الطابع الكوني، ما إن يحقق الفريق إنجازًا كبيرًا – وعلى رأسها دوري أبطال أوروبا إن تحقق – حتى نرى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يحتفل مع اللاعبين، وتُغمر الشوارع الفرنسية بالأعلام والابتهاج، وكأن فرنسا كلها فازت باللقب.

هنا تظهر المفارقة: فرنسا، الدولة التي عُرفت تاريخيًا بتشددها في تعريف الهوية والانتماء، تحتفي بإنجاز يُنسب إليها جغرافيًا فقط، لا من حيث العنصر البشري أو المساهمة الوطنية المباشرة. لكنها مفارقة تعبّر بدقة عن شكل العالم الذي نعيش فيه اليوم: عالم تذوب فيه الحدود التقليدية، وتذوب معه الهويات الصلبة لصالح كيان جديد تحكمه المصالح العابرة للجنسيات، والنجاحات المُدارة برؤوس أموال عالمية وعقول متنقلة.

باريس سان جيرمان – في صورته الراهنة – ليس ناديًا فرنسيًا بالمعنى الكلاسيكي، بل هو مشروع كوني على الأرض الفرنسية. مشروع تديره قطر، ويصنعه لاعبو العالم، وتفخر به فرنسا.

إنه مشهد يلخص تحولات كبرى في مفاهيم الانتماء والهوية، حيث لم يعد المهم من أين أتيت، بل ماذا تحقق، ومن يدعمك، وأين يقع ملعبك.

اقرأ أيضا للكاتب:

زر الذهاب إلى الأعلى