القس بولا فؤاد رياض يكتب: مبارك شعبي مصر

بيان
تعيد الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في ١ يونيو ـ ٢٤ بشنس من كل عام بعيد دخول السيد المسيح إلى بلادنا العزيزة مصر.
ومصر هي البلد الوحيد الذي زارته العائلة المقدسة، فتباركت وتقدست أراضينا.
مجيء السيد المسيح إلى بلادنا مصر لم يكن صدفة، إنما تحقيقًا للنبوات: “هوذا الرب راكب على سحابة خفيفة سريعة وقادم إلى أرض مصر، فترتجف أوثان مصر من وجهه ويذوب قلب مصر داخلها” (إشعياء ١٩: ١).
وقد تحققَت هذه النبوة بمجىء العائلة المقدسة إلى مصر، حيث عاشت ثلاث سنوات ونصف، شربت وأكلت وعاشت مع أهل مصر الطيبين.
كانت مصر رائدة العالم الأممي، فكان فرعونها يشير في العهد القديم إلى العبودية، وبخصوبة أرضها تشير إلى حياة الترف ومحبة العالم.
كان يمكن للسيد المسيح أن يلجأ إلى إحدى البلاد المجاورة، ولكنه أراد تقديس أرض مصر، أن يلجأ إليها ويقيم له مذبحًا في أرضها الأممية، كما قال الكتاب: “في ذلك اليوم يكون مذبح للرب في وسط أرض مصر، وعمود للرب عند تخمها، فيكون علامة وشهادة لرب الجنود في أرض مصر”.
كانت مصر أكبر معقل للعبادة الوثنية في المنطقة كلها، ومع ذلك كانت لها مكانة مقدسة في الكتاب المقدس، فقد حضر إليها أبونا إبراهيم، ويعقوب أبو الآباء، ويوسف الصديق، وموسى النبي، ومجموعة من الأنبياء الذين مهدوا لمجيء السيد المسيح، ليتوج هذا الحضور.
مصر تحدث عنها الكتاب المقدس كثيرًا، وجاء إليها كثير من الشخصيات الهامة من الآباء والأنبياء، واحتلت جزءًا كبيرًا من تاريخ أولاد الله.
وبمجيء السيد المسيح إلى بلادنا مصر، بُني له مذبح في وسطها، وكانت هي نواة الكنيسة الأولى في مصر التي لا تقوى عليها أبواب الجحيم مجتمعة.
صارت كنيسة مصر غاية في العجب، كنيسة الإنجيل والأسرار والنساك واللاهوت والتعليم والشهادة والحياة النُسكية والرهبنة.
لا شك أن مجيء العائلة المقدسة إلى بلادنا المحبوبة مصر هو دعوة لنا أن نعرفه معرفة الخبرة والمعايشة والتذوق والاتحاد. مجيئه إلى أرضنا الطيبة أسس كنيستنا صاحبة الكنوز والثروات الروحية التي لا تُقاس.
أتى إلينا لكي نأتي إليه بلا مانع ولا عائق. مجيئه إلينا بارك أرضنا وزرعنا ونيلنا.
حضوره المجيد صنع التاريخ وقدس الجغرافيا، وكتب اسم مصر في سجل الحياة، وملأها ببركة الإنجيل الطاهر، وترك لنا بصمة في خط سير رحلته المقدسة، في آثارنا التي تنطق بعظمتها وبراعتها القدسية، التي جعلت من مصر قدسًا ثانيًا.
بارك السيد المسيح بلادنا مصر بنزوله إليها، كما نزل يوسف بن يعقوب ليخزن القمح لإحياء العالم الجائع، هكذا نزل السيد المسيح، الخبز الحي النازل من السماء، حتى يضمن الحياة للعالم كله.
وصارت كنيسة مصر وبراريها كالجنات، وكالمنارة التي تضم قطيع ملوك من الأمناء الأتقياء، الحافظين العهد والأمانة، من الشهداء والمعترفين والنساك والأبرار واللاهوتيين والبسطاء والعذارى، كلهم جنوده من طغمات الكنيسة الحية، عبر هذا الزمان، ومن جيل إلى جيل، وإلى دهر الدهور.
ليت السيد المسيح، صاحب هذا العيد، يمنحنا عيدية العيد، وينعم علينا بسلام، ويقبل قلوبنا وبيوتنا في مصر ليستريح فيها، لا كضيف أو زائر، بل كمالك للكل ومقيم كل حين.
وليجعل كنيسة مصر حنطة وبركة للعالم الجائع، بدماء شهدائها، ولاهوتها السكندري، وأن يديم مذابح مصر علامة وشهادة له، ويجد له مسرة في أهلها، كما وجد فيها ملجأ يوم جاء هاربًا من بطش هيرودس.
مصر كانت موطنًا للعائلة المقدسة في الرعاية والحماية، وهي اليوم تواصل دورها في استقبال اللاجئين من سوريا والعراق والسودان، وكل من يلجأ إليها هاربًا من الحروب والإرهاب، تمنحهم الرعاية والأمان، فهي بحق أم الدنيا، بكل ما تحمله هذه الكلمة من معانٍ، فهي بلد الأمن والأمان.
ندعو الجميع لتنظيم زيارات إلى الأماكن التي مرّت بها العائلة المقدسة، تعزيزًا للبعد الروحي والسياحي.
وفي النهاية نقول إن عيد دخول السيد المسيح إلى بلادنا مصر هو مناسبة روحية تجمعنا نحن المصريين، ونتمنى أن يكون هذا اليوم عيدًا وطنيًا نحتفل به جميعًا، إكرامًا للضيف الذي بارك بلادنا العزيزة مصر.
بزيارة العائلة المقدسة لبلادنا العزيزة، تحققت عبارة إشعياء النبي: “مبارك شعبي مصر”.
بركة هذا العيد الجليل تكون معنا جميعًا، بصلوات أمنا الطاهرة القديسة العذراء مريم، وكل مصاف القديسين، وبركة صلوات قداسة البابا تواضروس الثاني.
نصلي أن يحفظ بلادنا العزيزة مصر، ويجعلها دائمًا ملجأ وواحة للأمان، وأن يحفظ رئيسنا فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، وجيشنا الباسل. تحيا مصر، تحيا مصر، تحيا مصر
وكل عام ومصر دائما بخير.
…………………………………………………………………………
كاتب المقال: كاهن كنيسة مارجرجس المطرية، القاهرة.
اقرأ أيضا للكاتب: