خالد سالم يكتب: دور طائرات الدرون في الحروب الحديثة

بيان

في العقود الأخيرة، شهدت ساحات المعارك تحولًا جذريًا في أساليب الحروب وميادينها، حيث لم تعد الحرب تقتصر على الجيوش الجرارة والدبابات الثقيلة، بل أصبحت التكنولوجيا سلاحًا حاسمًا، تتقدم صفوف القتال وتغير معادلاته. وفي طليعة هذه التكنولوجيا، تبرز طائرات الدرون (الطائرات بدون طيار) كلاعب رئيسي في الحروب الحديثة.

من المراقبة إلى الحسم القتالي

كانت بداية استخدام الدرون لأغراض المراقبة والاستطلاع، فوفرت للقيادات العسكرية “عينًا في السماء” تستطيع الوصول إلى مناطق يصعب على الجنود اختراقها، دون خسائر بشرية. ولكن سرعان ما تطورت هذه الطائرات، لتتحول من أداة مراقبة إلى آلة قتال دقيقة، قادرة على حمل الصواريخ والقنابل وتنفيذ عمليات اغتيال جراحية تستهدف أشخاصًا بعينهم.

الطائرات بدون طيار أصبحت تشكل ثورة عسكرية صامتة، حيث تعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي والتحكم عن بُعد، وتنفذ عملياتها بأقل قدر من التكاليف والخسائر، مما جعلها خيارًا مفضلًا للعديد من الجيوش الكبرى في العالم.

مثال واقعي: درونات أوكرانيا في مواجهة الطائرات الروسية

لعل أبرز مثال حديث على أهمية الدرونات في ساحات القتال، هو ما نشهده في الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا. فقد تحولت هذه الطائرات إلى عنصر حاسم في موازين القوى، رغم التفاوت الكبير في الإمكانيات العسكرية بين الطرفين.

استخدمت أوكرانيا أنواعًا متعددة من الدرونات، أبرزها الدرون التركي “بيرقدار TB2″، الذي نفّذ ضربات دقيقة ضد الدبابات الروسية وأنظمة الدفاع الجوي، وألحق خسائر كبيرة في صفوف القوات الروسية.

كما لجأت أوكرانيا إلى درونات محلية الصنع، وأخرى تجارية معدّلة، تُستخدم في مهام انتحارية، أو في مراقبة تحركات العدو. هذه الدرونات الصغيرة والخفيفة أصبحت قادرة على اقتحام الأجواء الروسية، وحتى استهداف قواعد عسكرية أو مراكز قيادة.

وفي المقابل، اعتمدت روسيا أيضًا على درونات هجومية واستطلاعية، أبرزها “شاهد-136” الإيرانية الصنع، التي استُخدمت في استهداف البنية التحتية والطاقة داخل المدن الأوكرانية، مما يعكس كيف أصبحت الطائرات بدون طيار أداة لحرب مفتوحة، لا تقتصر على الجبهات بل تمتد إلى العمق المدني.

تغيير قواعد الاشتباك

لم تعد المعركة تتطلب جنديًا في الميدان، بل مشغلًا خلف شاشة متمركزة آلاف الكيلومترات بعيدًا عن الهدف. هذا الواقع الجديد غيّر قواعد الاشتباك، وأدخل مفاهيم جديدة للسيطرة والسيادة.

كما سمحت الدرونات بخوض حروب هجينة، تجمع بين العمل العسكري والاستخباراتي، وتُستخدم في عمليات التجسس، التشويش الإلكتروني، والاستهداف الدقيق، وهو ما أثبته الصراع الأوكراني بكل وضوح.
مزايا لا تُحصى… ومخاطر لا تُتجاهل
من أبرز مزايا طائرات الدرون:
الدقة العالية في الاستهداف.
تقليل الخسائر البشرية في صفوف القوات المهاجمة.
كفاءة اقتصادية مقارنة بالطائرات الحربية التقليدية.
إمكانية العمل في بيئات خطرة يصعب دخولها بالوسائل التقليدية.
لكن في المقابل، هناك مخاطر متصاعدة:
سهولة تصنيعها وانتشارها قد يتيح استخدامها من قبل جماعات مسلحة أو إرهابية.
صعوبة التتبع والمساءلة القانونية في حال الاستخدام الخاطئ أو خارج القانون الدولي.
انتهاك الخصوصية والسيادة في بعض الدول دون إعلان حرب رسمي.

الحرب القادمة… بلا طيار

مع التسارع التكنولوجي، يتوقع أن تكون الحروب المستقبلية أقل اعتمادًا على البشر، وأكثر اعتمادًا على الخوارزميات والطائرات الذاتية. فالمعارك القادمة قد تُدار من غرف عمليات رقمية، حيث تُطلق الطائرات أوتوماتيكيًا بناءً على تحليلات الذكاء الاصطناعي، دون تدخل بشري مباشر.
وفي هذا السياق، تبرز ضرورة وضع أطر قانونية وأخلاقية لاستخدام هذه التقنية، تضمن عدم تحولها إلى أدوات قتل عشوائي، وتُخضعها للمساءلة وفق القانون الدولي الإنساني.

إن طائرات الدرون لم تعد مجرد أداة، بل أصبحت عنصرًا فاعلًا ومؤثرًا في معادلات الردع والسيطرة. إنها رمز لتحول الحرب من الساحة إلى الشاشة، ومن العضلات إلى العقول، في عالم تتغير فيه معاني القوة يوماً بعد يوم.

…………………………………………………………………………….

كاتب المقال: إعلامي، نائب الأمين العام للاتحاد الأفريقي الأسيوي

اقرأ ايضا للكاتب:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى