“سيمفونية ديك البرابر” معرض للمصور المصرى وسيم إمام: صرخة أنثوية وسط أطلال روما

رسالة إيطاليا من: إكرامى هاشم
شهدت العاصمة الإيطالية روما حدثاً فنياً فريداً من نوعه استمر على مدار ثلاثة أيام، تمثل في افتتاح المعرض الثالث للفنان المصري وسيم إمام، عضو جمعية المصورين المصرية واتحاد المصورين العرب، وذلك تحت عنوان “سيمفونية ديك البرابر”.
أقيم المعرض في جاليري “آرك دي نويسيس” المجاور لمبنى الكولوسيو التاريخي، أحد أبرز رموز العمارة الرومانية، ليجمع بين سحر المكان وصرخة الصورة.
يعتمد المعرض على سلسلة فوتوغرافية مفاهيمية تخوض في أعماق التجربة الأنثوية المعاصرة، بين القهر والتحرر، بين السخرية والوعي، وذلك بأسلوب بصري رمزي وسريالي يوظف الصورة كأداة للتفكيك وإعادة التكوين الاجتماعي والنفسي.
رسائل رمزية وسرد بصري
تتوالى الصور كما لو كانت مقاطع من أوبرا صامتة، حيث تتفتح زهور عباد الشمس من تحت الإبط كصلواتٍ غريبة، ويتحول أحمر الشفاه إلى جراح على الوجوه، بينما يظهر الأطفال كأعباءٍ معلقة على الأكتاف.
استخدم الفنان الرموز والتكوينات الجريئة ليجسد صراعات المرأة المعاصرة، في مشاهد تفيض بالتناقض بين الألم والجمال، الهشاشة والقوة.
“ديك البرابر”، وهو عنوان المعرض، يُستعار من أسطورة ذكورية تشير إلى السلطة والتقاليد والقوالب الجندرية التي تسعى لتقليص دور المرأة وتقييد حضورها، ليحمل العنوان نبرة هجائية وتمرداً ضمنيًا على السائد.
إشادة واسعة من النقاد والجمهور
حاز المعرض على إشادة عدد كبير من النقاد والفنانين والحضور من مختلف الجنسيات. ووصفت الفنانة الإيطالية روسانا بلاسيدي المعرض بأنه “مزيج آسر من السريالية المسرحية والبورتريه المفاهيمي”، مؤكدة أن وسيم إمام لا يصور الأشخاص، بل يعيد بناءهم داخل مشاهد مشبعة بالحقيقة والرمزية.
وأضافت: “الصورة عند وسيم إمام لا تشرح نفسها، بل تلامسك وتدفعك للتساؤل، إنه فنان لا يطرح حلولاً بل يثير الأسئلة ويواجه المتلقي.”
أما الفنان نيو دي بولو فقد أشادت باستخدام إمام لألوان واقعية مفرطة وسرد بصري أنثوي غير تقليدي، معتبرة أن أعماله تذكرها بأسطح ماغريت الغامضة ونقد سيندي شيرمان المسرحي، مع مسحة ديان أربوس الغرائبية.
تفاعل لافت وحضور مميز
توافد إلى المعرض شخصيات بارزة، من بينها الدكتورة كيارا كافلييري، رئيسة جمعية الصداقة الإيطالية المصرية، والتي وصفت المعرض بأنه “صرخة أنثوية تتردد أصداؤها في جدران الكولوسيو”، والسيد حسن بطل رئيس الجمعية الثقافية من أجل الاندماج الذي أشاد بالفنان المصري ووصفه بـ”المبدع في رمزية التعبير”.
كما عبر الدكتور عاصم مجاهد، عضو الجمعية الإيطالية العربية، عن دهشته من عمق الأعمال، وقام بترجمة محتواها للجمهور الإيطالي. واختتم المعرض بزيارة لافتة من الناشطة زينب محمد، رئيسة مسجد الهُدى في روما، التي أثنت على جرأة الطرح وعمق التعبير.
زيارة فنية مغربية لافتة
من أبرز لحظات المعرض، كانت زيارة الفنانة الفلكلورية المغربية حليمة مسكي، رئيسة جمعية “مراكش لؤلؤة الجنوب”، والتي أثرت الحدث بحضورها الفني.
وفي تصريحها، قالت:
“عندما شاهدت الصور أحسست أنني لا أرى فقط، بل أسمع سيمفونية حقيقية تعزف على أوتار معاناة المرأة. الصور عبرت عني كما عبرت عن ملايين النساء. لقد استطاع الفنان وسيم أن يصوغ الوجع والكرامة والتمرد في مشاهد بصرية نابضة بالحياة.”
وأكدت أن المعرض جمع بين البعد الثقافي العربي والنَفَس العالمي، ليشكل تجربة فنية وإنسانية تمس جوهر الوعي النسوي الحديث
سفير الشباب العربي يشيد بالمعرض
كما شهد المعرض زيارة لافتة من الشاب محمد يسري، المعروف بلقب “سفير الشباب العربي في روما”، والذي أعرب عن إعجابه العميق بمستوى المعالجة الفنية والرسائل الرمزية القوية التي حملتها الصور الفوتوغرافية.
وقال يسري في تصريحه:
“المعرض لا يُخاطب فقط الوعي البصري، بل يحفز جيل الشباب على التفكير والتساؤل. الصور تحكي، تصدم، وتفتح نوافذ على معاناة المرأة بلغة فنية راقية. ما فعله وسيم إمام هنا ليس مجرد فن، بل موقف ثقافي ورسالة إنسانية تمس جوهر التغيير.”
وأضاف أن مثل هذه المعارض تعزز الحوار الثقافي بين الأجيال والجنسيات، وتؤكد أن الفن قادر على تجاوز الحواجز اللغوية والاجتماعية، ليصبح أداة تواصل وتوعية من الطراز الأول
وسيم إمام: الصورة المعاصرة أداة فكر وتحرر
في حديثه عن المعرض، قال الفنان وسيم إمام: “تفاعل الجمهور كان مذهلًا. شعرت أن الصورة الصادقة تفتح بابًا للحوار العميق. علاقتي بالناس تفاعلية، وقد قرأ البعض أعمالي بشكل أدهشني، وهذا جوهر الفن المفاهيمي المعاصر: أن يلامسك قبل أن يشرح نفسه.”
وأشار إلى التحديات التي واجهها، سواء من حيث الإنتاج أو تلقي الجمهور، لكنه شدد على أن كل الجهد يتلاشى حين يرى كيف تُحدث صورة واحدة أثرًا عميقًا.
وأكد أن “الصورة اليوم أصبحت سلاحًا ثقافيًا وفكريًا”، داعيًا إلى تأسيس منصات تحترم الفوتوغرافيا كفن مستقل.
من هو وسيم إمام؟
وسيم إمام، فنان تشكيلي ومصور فوتوغرافي مفاهيمي، من مواليد القاهرة عام 1981.
عضو جمعية المصورين المصرية (EPS) واتحاد المصورين العرب (UAP).
يُعرف بدعمه لقضايا المرأة وحقوق الإنسان، وهو من الداعمين لحملة “تاء مربوطة”، كبرى حملات تمكين المرأة المصرية.
شارك في معارض محلية ودولية، ونال العديد من الجوائز وشهادات التقدير.
تتميز أعماله بالرمزية العميقة والأسلوب المفاهيمي السهل الممتنع، الذي يدمج بين الرؤية الفلسفية والتعبير البصري الجريء، ليضع الصورة في موقعها الأصيل كأداة تفكيك وتحليل وتغيير
“سيمفونية ديك البرابر” لم تكن مجرد معرض فوتوغرافي، بل كانت بيانًا بصريًا جريئًا يحمل وعياً إنسانياً عميقاً، واحتفاءً بصمود المرأة وسط عبث الواقع، وإعادة تعريف للصورة كأداة مقاومة وجسر للحوار الثقافي.