وحدة “الذئاب” الإسرائيلية… محاولة لإحياء غريزة الصيد في حربٍ فقدت السيطرة

كتب: أشرف التهامى

في محاولة لاحتواء الفشل العسكري والأمني الذي ضرب صورة الجيش الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر، نشرت مؤسسات بحثية إسرائيلية، من بينها مركز “ألما”، تقريرًا دعائيًا يسلط الضوء على وحدة جديدة تُسمى “الذئاب”، ويصفها بأنها نخبة سرية تعمل خلف خطوط العدو في غزة ولبنان وسوريا.

لكن خلف هذه العناوين البطولية المصاغة بعناية، تُخفي المؤسسة العسكرية الإسرائيلية إخفاقًا أعمق: إخفاق في السيطرة الميدانية، وفقدان الثقة بالتكنولوجيا التي طالما تغنت بها إسرائيل، مما اضطرها للعودة إلى نماذج قديمة تقوم على التعقب اليدوي والمطاردة الأرضية، في مشهد يُعيد إلى الأذهان زمن العصابات الصهيونية.

وحدة “الذئاب”: اسمٌ جذاب لتلميع أزمة

وفقًا للتقرير الذي نشره مركز “ألما” وأعاد موقع “واي نت” العبري تسويقه، فإن وحدة “الذئاب” تأسست بعد مجازر 7 أكتوبر التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في غلاف غزة، وهي تتكوّن من 30 جنديًا، معظمهم من الاحتياط، ويُقال إن مهمتهم “استشعار الريح”، وتعقّب آثار أقدام المقاومين، ومرافقة القوات في ساحات القتال “الخطرة”.

المثير أن الوحدة تشكلت على يد ضابط سابق عمره 63 عامًا، في خطوة تعكس حالة الاستدعاء القسري للكوادر القديمة، بعد أن فشلت الأجيال الشابة في الصمود داخل ميدان معقد مثل غزة، خاصة في حرب المدن والشوارع والأنفاق.

الإحباط من التكنولوجيا: اعتراف بالفشل

يقر التقرير، وإن بشكل غير مباشر، بأن جيش الاحتلال الإسرائيلي لم يتمكن من تحويل تفوقه السيبراني والتكنولوجي إلى إنجاز ميداني. يقول مؤسس الوحدة، المقدم “ب.”، إن “شيئًا ما ضاع في الترجمة إلى الميدان”، في إشارة إلى أن الطائرات المسيرة، وأجهزة الاستشعار، والذكاء الاصطناعي، عجزت عن كشف أفخاخ المقاومة أو توقع حركتها، مما أدى إلى خسائر متكررة في صفوف الجيش.

هنا، تعود إسرائيل إلى “البدائية القتالية”، إلى “شم التهديدات” و”تحسس الأرض”، وهو خطاب يُراد به الترويج لبطولات فردية تعكس في الحقيقة عمق المأزق الجماعي.

“الذئاب” بين غزة وسوريا ولبنان

التقرير لا يخلو من التهويل المعتاد حول “مسرح العمليات الممتد” من غزة إلى لبنان وسوريا، في محاولة لتعزيز فكرة الجبهة الواحدة ضد “العدو الواحد”، بينما الواقع يكشف عن تعثر الاحتلال في غزة، وازدياد الضغط عليه في الشمال من قبل حزب الله، وصعوبة الحركة في العمق السوري بعد تصاعد ضربات المقاومة الإقليمية.

المقاومة تُفكك الغطرسة

الحالات التي يستعرضها التقرير عن مطاردات في جباليا والشجاعية وبئر السبع لا تعكس تفوقًا استخباراتيًا بقدر ما تُظهر اعتمادًا خطيرًا على عنصر “الحدس”، وعلى وحدات صغيرة تُزج في مسارح خطرة لتحصيل نتائج جزئية، غالبًا ما تكون مكلفة من حيث الخسائر البشرية.

كما أن ما يقدمه التقرير من تفاصيل حول “إنقاذات” نفذتها الوحدة، يكشف أن الجيش لم يكن يُمسك بالأرض فعليًا، بل يمر مرور الكرام فوق أوكار المقاومة دون أن يشعر، إلا إذا ارتكب المقاومون خطأ أو تدخلت “الصدفة الميدانية”.

التوظيف السياسي للوحدة

ما يلفت أيضًا في سردية “الذئاب” هو الطابع الوجداني الشعبوي الذي يُغلف الرواية. يُشبه الضابط المؤسس عمله بحركة “الكيبوتس”، ويستحضر رمزية “البالماخ”، ويروج لفكرة أن “إسرائيل القوية” لا تزال قادرة على القتال إن اجتمعت وحداتها، وهي دعاية نفسية أكثر منها وصفًا دقيقًا لحالة ميدانية.

ترميم صورة جيش مهزوز

التقرير المنشور في “مركز ألما” يهدف إلى إعادة ترميم صورة جيش مهزوز، عبر تسويق “بطولات” صغيرة ضمن وحدة مرتجلة لا تتجاوز 30 جنديًا، معظمهم في سن التقاعد. وبقدر ما تسعى إسرائيل إلى تقديم “الذئاب” كنموذج للتجدد، فإن حقيقة الحاجة إليها تكشف زيف الرواية الكبرى عن “الجيش الأقوى في الشرق الأوسط”.

لقد أجبرت غزة إسرائيل على خلع قناع التكنولوجيا والذكاء الصناعي، والعودة إلى تعقب الأثر في الأزقة والدخان. وفي هذا التراجع، تظهر الحقيقة: أن المقاومة لا تُهزم بالآلات، بل تصنع في الميدان معارك الوعي.

طالع المزيد:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى