د. محمد إبراهيم بسيوني يكتب: قافلة الصمود.. الواجب والواقع

بيان

في مشهد يفيض بالعاطفة النبيلة والتضامن الإنساني، انطلقت “قافلة الصمود” نحو معبر رفح، حاملة معها أصواتًا من مختلف بقاع العالم، تهتف لغزة، وترفض الحصار، وتُندّد بالإبادة.

تحركٌ رمزي مهم، يُذكّر العالم أن هناك من لا يزال يؤمن بقيمة الإنسان وكرامة الشعوب. لكن في خضم هذه النوايا الطيبة، هناك ضرورة للتأني والتعقّل، خصوصًا حين يتعلق الأمر بدولة مثل مصر، تتحمّل عبء الجغرافيا والتاريخ والسياسة معًا.

القافلة لم تأتِ من فراغ، بل في سياق عالمي يتجاهل الجرائم في غزة، وسلطات دولية تغض الطرف عن الحصار والمجازر، فكان لزامًا على الضمائر الحيّة أن تتحرك. لكن التحرك الميداني على الأرض لا يُبنى فقط على الإخلاص، بل يحتاج كذلك إلى الوعي بطبيعة الدول ومخاوفها، خصوصًا حين يتعلق الأمر بالحدود والمنافذ الحيوية.
مصر ليست خصمًا لغزة، كما يحاول البعض تصويرها، بل كانت ولا تزال الوسيط المركزي، والحاضنة التاريخية للقضية الفلسطينية.

وهي، بحكم موقعها، تواجه تحديات أمنية معقّدة لا يعلم تفاصيلها إلا من يتحمل مسؤولية الحكم. ومن الطبيعي أن تتحفّظ القاهرة على تحركات غير منسّقة، تُشبه – ولو شكليًا – حشودًا غير واضحة التنظيم على حدودها، خصوصًا في ظل ظروف إقليمية ملتهبة ومحاولات متكرّرة لاستغلال أي فراغ أو خطأ.
في المقابل، لا يجب تجاهل القيمة الرمزية والإنسانية الكبرى لقافلة مثل “قافلة الصمود”، فهؤلاء ليسوا غوغاء ولا مندسين، بل نشطاء وحقوقيون وأطباء وصحفيون جاؤوا من خلفيات نبيلة، وكان يمكن – بتنسيق مختلف – تحويل هذا المشهد إلى ورقة قوة لمصر أمام العالم، بدلًا من أن يتحول إلى مادة سجال داخلي أو فرصة للتشكيك أو الشحن المتبادل.
إن ما يجب أن نحرص عليه جميعًا – سواء كدول أو كقوى مجتمع مدني – هو الحفاظ على وحدة الصف، وتفادي الوقوع في فخ التخوين أو المزايدة. فمصر الرسمية، رغم مآخذ كثيرة على أدائها في هذا الملف، تبقى بوابة غزة الأولى، وكل عمل تضامني حقيقي يجب أن يراعي سيادتها، وأن يحرص على التنسيق معها لا التصادم معها.
الخلاصة أن الطريق إلى غزة لا يمرّ فقط عبر المعابر، بل أيضًا عبر وحدة الكلمة، وفهم الواقع، والاشتباك الذكي مع المصالح الدولية. فالقضية الفلسطينية تحتاج إلى أكثر من الغضب… تحتاج إلى الحكمة.

طالع المزيد:

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى