شريف عبدالقادر يكتب: الدولة والدواء والشهيد

بيان

(1)

الدولة مشكورة تمكنت من القضاء على فيروس سي بعد التوصل إلى علاج فعال، وبالتأكيد أزعج ذلك شركات الأدوية الأجنبية التي كانت تصدر لنا الأدوية الخاصة بعلاج فيروس سي، من أقراص وحقن، لتكبدها خسائر ضخمة. وفي فترة القضاء على الفيروس اللعين قرأنا عن إنشاء مدينة الدواء لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الأدوية عموماً، ورغم ذلك ما زلنا نعتمد على الإنتاج المستورد أو الإنتاج الأجنبي المحلي.

وما نتمناه أن تصبح الأدوية المتداولة في مصر من إنتاج شركات مصرية، قطاع عام وخاص، مع إحياء وتطوير شركات القطاع العام، وتخضع عملية إنتاجها لإشراف أجهزة رقابة مصرية خالصة، وألا نستورد أدوية ولا نستعين بشركات أجنبية تعمل في الداخل، لأنه ليس من المستبعد أن تهتم هذه الشركات بأرباح باهظة، وقد تنتج أدوية غير مماثلة للمنتج في بلادهم، وربما يتعمدون إنتاج أدوية لها أضرار جانبية، أو قد يحدث ذلك عن طريق الخطأ.

وكثيراً ما قرأنا عن سحب أدوية من الأسواق في أمريكا أو أوروبا وإيقاف إنتاجها لاكتشافهم أنها تسبب أضراراً صحية، ولكن لم نقرأ عن سحب هذه الأدوية من أسواق العالم الثالث أو الثاني. ولا أبالغ عندما أقول إن شركات الأدوية الأمريكية والغربية أشد شراسة من تجار السلاح والمخدرات. ولا ننسى أن هذه الشركات تتواجد عند من يصنعون الفيروسات ويصنعون أمصالها لتحقيق أرباح فاحشة.

لذا نتمنى أن تنشط مدينة الدواء، ويصبح الدواء المتداول في مصر من إنتاج شركات وأيدٍ مصرية.

(2)

الدول التي تتبع سياسة الاقتصاد الحر أغلب أنشطتها خاصة، ولكن يوجد قانون رادع وحازم وموجع مع من يرتكب مخالفة التهرب الضريبي. ففي إيطاليا، التهرب الضريبي جريمة مخلة بالشرف تؤدي للسجن، وأتذكر صورة نُشرت بالصحف أثناء إلقاء القبض على الممثلة العالمية صوفيا لورين على سلم الطائرة عقب وصولها إلى روما بتهمة التهرب من الضرائب. أما عدم تقديم فاتورة للمشتري فعقوبتها موجعة، لذلك يحرصون على تقديم الفاتورة للمشتري حتى لا يتصادف مرور رجال الضرائب أثناء مغادرة المشتري، وإذا كان لا يحمل فاتورة فالعواقب وخيمة. أما عندنا، لو طلب المشتري فاتورة تجد البائع يتملكه الضيق ويهدد بإضافة نسبة مئوية تضاف إلى قيمة المبيعات. وهناك فوجئت بسائق التاكسي يقدم لي فاتورة بالقيمة التي بالعداد.

هناك حصيلة الضرائب الفعلية من أسباب قوة الاقتصاد القومي، ولا يُدلل القطاع الخاص ولا يُمنح استثناءات وإعفاءات.

ولذلك هناك دخل الفرد يغطى احتياجاته، ومن لا يجد عملاً يحصل على مرتب بطالة، وهناك مرتب البطالة من رسوم بسيطة يسددها العاملون مع رسوم التأمينات شهريًا، وهو ما يُعد تعاونًا اجتماعيًا، كما يُسدد للمتعطل قيمة إيجار سكن أو شقة تتبع الدولة مثلما الحال في ألمانيا. وإذا كان لدى من يتقاضى مرتب بطالة أطفال، يُمنح شهريًا مبلغ عن كل طفل حتى انتهائه من المرحلة الثانوية، ويُعفى من المصروفات طوال سنواته التعليمية.

ولذلك وجب علينا طالما اخترنا سياسة الاقتصاد الحر أن نقوم بتحصيل الضرائب الفعلية مع رقابة الأسواق بحزم والسيطرة على الأسعار حتى يتمكن من لديه أطفال أن يقدم لهم الغذاء المناسب، لأن كثيرين لا يتمكنون من تقديم الغذاء المناسب لأطفالهم لارتفاع أسعارها بدون مبرر، فالألبان واللحوم إلخ أسعارها مرتفعة، برغم نصائح الأطباء بأن يشرب الأطفال لبنًا يوميًا وغيره من النصائح.

إن ارتفاع أسعار الضروريات للأطفال سيجعلهم يشبّون ضعافًا منهكين صحيًا، مما يستدعي تهذيب القطاع الخاص وليس تدليله، لأن الاقتصاد الحر ليس ترك الحبل على الغارب للقطاع الخاص.

(3)

رحم الله الشهيد البطل خالد محمد شوقي عبدالعال ابن الدقهلية، الذي ضحى بحياته عندما قرر إبعاد السيارة المشتعلة حتى لا تحترق محطة البنزين ويسقط ضحايا بالمئات.
رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.

وهذا الحادث يذكرني بحادث وقع أواخر سبعينيات القرن الماضي تقريبًا، حيث اشتعلت النيران في سيارة كانت تقوم بتفريغ البنزين بمحطة بنزين تقع بشارع المبتديان وتطل على جانب مستشفى المنيرة بالسيدة زينب. وقد اشتعلت السيارة والمحطة، وطالت النيران جانب العمارة السكنية المجاورة للمحطة، وارتفعت ألسنة اللهب أعلى من العمارة السكنية، وشاهدها سكان الأدوار العليا من مسافات بعيدة، واستغرق إطفاء الحريق وقتًا طويلًا.

ولكن سبب هذا الحريق كان السائق الذي كان يدخن سيجارة، وعندما اشتعلت النيران جرى بعيدًا وترك السيارة تحترق ومعها المحطة.

اقرأ ايضا للكاتب:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى