د. محمد إبراهيم بسيونى يكتب: المزايدة وموقف مصر

بيان
في خضم المأساة المتواصلة على أرض غزة، وبين أصوات المزايدة وتضخيم الشعارات، يظل الموقف المصري هو الأكثر جدية وفاعلية، وإن لم يكن الأعلى صوتًا.
مصر لا تتاجر بالقضية، ولا تخوض سباق التصريحات الجوفاء، بل تتحرك وفق منطق الدولة التي تتحمّل مسؤوليتها التاريخية والجغرافية والإنسانية، دون انتظار شكر أو تصفيق.
منذ الأيام الأولى للعدوان، فتحت مصر معبر رفح، وظل مفتوحًا رغم القصف والخطر، بينما أُغلقت بقية المعابر.
استقبلت مصر عشرات الآلاف من الجرحى والنازحين، وقدّمت الرعاية لهم، ووفّرت ممرات آمنة لإجلاء المدنيين والعالقين من مختلف الجنسيات.
ليس ذلك مجرد موقف تضامني، بل التزام عملي ومستمر، يعكس فهمًا عميقًا بأن الدفاع عن غزة ليس فقط واجبًا إنسانيًا، بل هو أيضًا دفاع عن الأمن القومي المصري.
مصر نظّمت أكبر جسر مساعدات إنساني في المنطقة، برًا وجوًا وبحرًا، وظلت القوافل تتوالى من المستشفيات المصرية إلى معبر رفح، في صمت ودون ضجيج إعلامي.
هذا الجهد لم يكن عرضًا مسرحيًا، بل دورًا حقيقيًا تتحمله الدولة بمؤسساتها وجيشها وأطبائها ومواطنيها، بعيدًا عن أضواء الكاميرات والشعارات الموسمية.
سياسيًا، لم تتوقف مصر عن التحرك في كل الاتجاهات. تفاوض وتضغط وتنسّق، وتضع خطوطًا حمراء لمحاولات التهجير والتطهير العرقي، وتُبقي القضية الفلسطينية حاضرة على طاولة العالم.
وقد لا تظهر نتائج هذه الجهود فورًا، لكنها تُمارَس بثقل وتجربة تراكمت عبر عقود، تعرف فيها مصر جيدًا متى تتكلم، ومتى تصمت، ومتى تتحرك.
من السهل جدًا إطلاق الشعارات من بعيد، لكن من الصعب أن تفتح معبرًا تحت النار، أو أن تستقبل آلاف المصابين يوميًا، أو أن تُحمّل طائراتك وسُفنك بالمساعدات بينما غيرك يكتفي بالهتاف.
مصر لا تتاجر بغزة، بل تحميها بطريقتها، وتتحمّل كلفة الموقف في صمت، دون أن تجعل من الدماء وسيلة للمكاسب أو المساومات.
الموقف المصري قد لا يكون صاخبًا، لكنه حاسم وفعّال. ومن يرى الصورة بإنصاف، يدرك تمامًا من الذي يقف مع غزة بالفعل، ومن الذي يقف على الشرفة يصفق وينتقد.