د. محمد الجوهري: البورصة المصرية هبطت الخميس 550 نقطة بفعل مخاوف ضرب إيران
- الحرب بين إسرائيل وإيران جزء من إعادة ترتيب النظام العالمي اقتصاديا - ضربات إسرائيل لإيران مخطط أمريكي لإضعاف طهران وكبح الصين وواشنطن تدير الصراع بالوكالة لإعادة رسم خريطة العالم

كتب: على طه
أكد الدكتور محمد الجوهري، الخبير الاقتصادي ورئيس مركز أكسفورد للدراسات والبحوث الاقتصادية أن هناك صراع دائم ومتجدد بين إسرائيل وإيران، فهناك دائماً حالة من الاضطراب في هذه المنطقة.
وأضاف د. الجوهرى فى حديثه لقناة النيل الإخبارية، عن احتمالات الحرب من منظور إقليمي ودولي وخاصة في المجال الاقتصادي، أن هذه الاضطرابات لم تبدأ اليوم فقط مع الضربات التي بدأت قبل فجر أمس الجمعة، بل لاحظنا مؤشرات على قرب وقوع الهجوم منذ يومين، حيث بدأت البورصات الأوروبية والعربية بالتراجع تحسبًا.
وأوضح الخبير الاقتصادى على سبيل المثال، أن البورصة المصرية أغلقت يوم الخميس على انخفاض بنحو 550 نقطة نتيجة لمخاوف من الهجوم المحتمل.
البورصات وأسعار النفط
وواصل د. الجوهري مؤكدا أنه كان هناك تهديدات سابقة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عندما رفضت إيران الخضوع لشروطه المتعلقة بتفكيك برنامجها النووي بالكامل ووقف تخصيب اليورانيوم.
لذلك كانت الأسواق العالمية في حالة توتر مسبق استجابةً لهذه المؤشرات، مما أدى إلى هبوط سريع في البورصات.
واوضح الخبير الاقتصادى أنه على المدى القصير، سنشهد ارتفاعًا في أسعار النفط نتيجة التصعيد في منطقة الخليج العربي، خاصة وأن إيران تشرف على مضيق هرمز الذي تمر منه النسبة الأكبر من تجارة النفط العالمية، والتي تعتمد عليها دول مثل الصين والهند وبعض الدول الآسيوية.
سلاسل الإمداد والشحن
إضافة لذلك، ستحدث اضطرابات في سلاسل الإمداد والشحن البحري، وهو ما سيؤدي إلى ارتفاع تكاليف الشحن وأسعار التأمين على ناقلات النفط، مما ينعكس سلبًا على الأوضاع الاقتصادية في كل دول المنطقة وحتى العالم بأسره، كما أن بناء منظومات جديدة بعد الدمار يحتاج وقتاً طويلاً، في حين أن عمليات الهدم تحدث بسهولة وسرعة، وهذا بدوره يرفع كلفة النقل والتأمين على الشركات والمستهلكين عالميًا.
وفيما يخص المستفيد من هذا الصراع، قال د. الجوهرى إنه من الصعب تحديد جهة واحدة مستفيدة، إذ أن الجميع سيتأثرون بالخسائر قصيرة وطويلة المدى. نعم بعض الدول قد تستفيد مؤقتًا من ارتفاع أسعار النفط أو الذهب أو حتى من دعم الدولار الأمريكي، لكن بالمقابل ستخسر في مجالات أخرى مثل الأمن والاستقرار.
وفي المحصلة، هذه الحروب ليست سوى حروب وكالة تديرها أمريكا، حيث تخوض حروباً بالوكالة في الشرق الأوسط كما يحدث اليوم بين إسرائيل وإيران، وكما حدث في أوكرانيا.
النظام العالمي وموازين القوى الاقتصادية والسياسية
وأوضح د. الجوهرى أن ما يحدث جزء من إعادة ترتيب النظام العالمي وموازين القوى الاقتصادية والسياسية وفق أجندات تخطط لها قوى كبرى، وقد يُطلق البعض على هذا المخطط “النظام الماسوني العالمي” الذي يسعى لتغيير موازين القوى الإقليمية والعالمية.
في النهاية نحن جميعًا متأثرون، سواء دول الخليج أو أوروبا أو حتى أمريكا نفسها، كما حدث خلال جائحة كورونا ثم أزمة أوكرانيا، والآن جنوب المتوسط في غزة، كل ذلك ينعكس سلبًا على التجارة العالمية.
أما بالنسبة للولايات المتحدة، فمن المحتمل أن تكون المستفيد الأكبر من تحريك العالم بهذه الصورة. فالغاية النهائية هي تقليص نفوذ الصين أو كبحه بطريقة أو بأخرى.
يخدم الرئيس الأمريكي ترامب
من ناحية أخرى (والكلام مازال للدكتور الجوهرى) فإن التصعيد الحالي قد يخدم الرئيس الأمريكي ترامب في معركته الانتخابية الداخلية، حيث جاء هذا التصعيد في توقيت يشهد اضطرابات داخلية في عدة ولايات أمريكية مثل كاليفورنيا وتكساس. وربما يكون هذا التصعيد جزءاً من تغطية إعلامية لصرف الأنظار عما يحدث داخلياً في الولايات المتحدة.
وفيما يتعلق بالتنسيق الأمريكي-الإسرائيلي، من الواضح أن الضربات الأخيرة كانت مدروسة مسبقاً وليست عشوائية، إذ استهدفت مواقع عسكرية دقيقة في إيران وأضعفت قدراتها دون أن تقضي عليها بشكل كامل، وهو ما يمنح إيران وقتًا طويلاً لإعادة بناء قدراتها العسكرية ويؤخر أي رد انتقامي فوري بنفس القوة.
وأكد د. الجوهرى أن كل هذه المؤشرات تدل أن أمريكا تقف خلف هذا السيناريو وتديره لصالح أهدافها الاستراتيجية.
خيارات إيران
وواصل: إيران الآن أمام خيارين كلاهما مرّ، فهي من جهة مضطرة للرد للحفاظ على هيبتها، لكن هذا يتطلب معركة سياسية أخرى. ورغم أن العالم لا يشهد حرباً عالمية حقيقية حالياً، إلا أن احتمال المواجهة المباشرة بين قوة عظمى مثل الصين والولايات المتحدة قد يغيّر ملامح المشهد، خاصة وأن الصين تفضّل السياسة والتجارة على المواجهة العسكرية.
وأضاف د. الجوهري أن إيران لا بد أن ترد على هذه الضربات — التي بلغت حتى الآن تسع ضربات — على الأقل لحفظ ماء الوجه، لكنها تحتاج أولاً إلى لملمة قواها، متوقعاً أن الرد لن يكون بالقوة ذاتها التي وجهت بها إسرائيل ضرباتها الاستباقية، خاصة وأن إسرائيل استهدفت البنية التحتية العسكرية الحساسة لإيران.
التحولات الكبرى
ثم انتقل إلى الحديث عن التحولات الكبرى قائلاً: يجري حالياً رسم سياسة جديدة لقيادة العالم، يقودها الصراع المستمر بين أمريكا والصين منذ مجيء ترامب، حيث ركز ترامب بشكل خاص على الحرب الاقتصادية ضد الصين عبر فرض رسوم وضرائب بهدف الضغط على الشركات الأمريكية لإعادة مصانعها من الصين إلى أمريكا.
وأوضح د. الجوهري أن ترامب كرجل جمهوري كان يسعى إلى مشروع “أمريكا للأمريكيين”، بما يشمل مواقف متشددة ضد الهجرة من جميع الجنسيات وحتى خلافات مع كندا والمكسيك، رغم أنهما شريكان أساسيان للولايات المتحدة في المنطقة.
وأشار إلى أن أمريكا — رغم كونها صاحبة أكبر ديون في العالم — ما تزال صاحبة أقوى اقتصاد عالمي بفضل قدرتها على إدارة هذه الديون وتحويلها إلى أدوات نمو وتوظيف، مستشهداً بدول مثل اليابان وأوروبية أخرى تواجه مستويات عالية من الديون لكنها تحافظ على قوة اقتصادية.
الخداع الاستراتيجي الأمريكي
وانتقد د. الجوهري ما أسماه “الخداع الاستراتيجي الأمريكي”، مشيراً إلى أن إدارة ترامب دخلت في صدامات حتى مع رموز أمريكية كبرى مثل إيلون ماسك، وهو ما يكشف صراعاً على من يحكم أمريكا فعلياً ومن يستفيد من إعادة تشكيل النظام الدولي.
وأكد أن ما يحدث الآن هو “حرب اقتصادية شاملة”، فحتى الملف النووي الإيراني لم يعد جوهرياً في نظر أمريكا، بينما تتحول أدوات السيطرة إلى الأسلحة الاقتصادية، مثل السيطرة على المعادن النادرة التي طالب بها الرئيس الأوكراني أثناء حرب بلاده مع روسيا مقابل الدعم الأمريكي.
وأضاف أن إسرائيل بدورها تتحرك كوكيل عن أمريكا في الشرق الأوسط ضمن “زراعة استراتيجية طويلة الأمد” تستهدف إعادة رسم خريطة النظام العالمي.
التحركات الأوروبية
ثم تطرق د. الجوهري إلى التحركات الأوروبية المختلفة عن الموقف الأمريكي، مشيداً بموقف فرنسا الواضح والمؤيد للحقوق الفلسطينية والسلام، ومعتبراً أن كثيراً من الدول الأوروبية بدأت تغرّد خارج السرب الأمريكي بعد حرب أوكرانيا وأزمات الطاقة والركود الاقتصادي.
وطرح مقدم البرنامج على د. محمد الجوهري – مجددا – سؤالا أساسيا هو: من المستفيد مما يحدث في العالم؟، مضيفا أن فكرة سعى الولايات المتحدة للسيطرة على طرق التجارة العالمية، والثروات العالمية، وموارد النفط والمعادن الثمينة، ثم سأل: هل هذه سياسة أمريكا كدولة، أم أنها سياسة ترامب تحديداً، القادم من خلفية تجارية في مجال العقارات؟
بدأ د. الجوهري إجابته بالإشارة إلى ما طرحه زميله السيد ماهر حول طبيعة الرد الإيراني المحتمل، موضحًا أن الرد الصاروخي قد لا يجدي، وقد تلجأ إيران إلى استهداف المصالح الأمريكية في الخليج، سواء كانت قواعد عسكرية أمريكية أو منشآت نفطية.
وأضاف أنه مع مرور الوقت قد تظهر الإجابة حول شكل هذا الرد، لكنه أشار إلى معطى لافت هو ما أعلنه الجيش الإسرائيلي من أنه يسيطر بالكامل على الأجواء الإيرانية، متسائلاً باستغراب: من أين تسيطر إسرائيل وهي جغرافياً بعيدة جداً عن إيران؟ وأجاب بأن هذا لا يتم إلا عبر تقنيات متقدمة تدعمها أمريكا، من قواعدها المنتشرة في الخليج، وأن أي صواريخ إيرانية تمر في هذه الأجواء قد يتم اعتراضها قبل وصولها.
ما فعلته أمريكا سابقاً في العراق
شبه الجوهري ما يحدث الآن بما فعلته أمريكا سابقاً في العراق، حين ادعت وجود أسلحة دمار شامل لتبرير احتلاله ونهب ثرواته، مشيراً إلى أن السيناريو ذاته يتكرر مع إيران، رغم أن إيران قد لا تكون تجاوزت العتبة النووية بعد.
وأضاف أن هناك حديثاً متداولاً منذ الصباح حول إمكانية أن تكون إيران بالفعل “دولة نووية غير معترف بها دولياً”.
ثم انتقل للحديث عن النفط قائلاً إن أمريكا أكبر خزان للنفط في العالم، وهي تستهلك نفط العالم لتنفرد مستقبلاً بالتحكم في هذه الثروة السوداء، وهي تخطط منذ الآن لمرحلة نضوب النفط في الدول الأخرى لتبقى المتحكم الوحيد.
أشار إلى أن سعر النفط حالياً بحدود 65 دولاراً للبرميل، لكنه توقع أن يرتفع إلى حدود 100 دولار في الفترة المقبلة، ما سيؤثر على العديد من الاقتصادات. وذكّر بفترة العقوبات الاقتصادية السابقة على إيران التي استطاعت خلالها رغم الحصار أن تبيع نفطها عبر قنوات بديلة لليابان والصين.
حرباً اقتصادية غير معلنة
واختتم الجوهري بالإشارة إلى أن ما سيحدث بعد نهاية المواجهة العسكرية المحتملة سيكون “حرباً اقتصادية غير معلنة”، ستستفيد منها أمريكا في البداية والنهاية من الأوضاع المضطربة في الخليج العربي، سواء فيما يخص إيران أو غيرها من الدول التي تساعد إسرائيل في تنفيذ خططها، مؤكدا أن أمريكا تسعى إلى زعزعة استقرار العالم حتى تظل القوة الاقتصادية المهيمنة والشرطي الوحيد في العالم خلال الفترة المقبلة.