أطفال إسرائيل وأطفال غزة.. هل تصح المقارنة؟

كتب: على طه 

 في مساء أمس الجمعة، وبينما كان الأطفال في قرية سعير القريبة من مدينة الخليل يحاولون طي صفحة يوم آخر من القلق المعتاد في الضفة الغربية، دوّت صفارات الإنذار في القدس ومحيطها، في مشهد بات مألوفًا في إسرائيل مع كل تصعيد إقليمي جديد.

لكن الجديد هذه المرة أن الصاروخ لم يكن من غزة ولا من لبنان، بل من اليمن. أطلقه الحوثيون المدعومون من إيران، ضمن سلسلة من الرسائل النارية المتبادلة عقب الهجوم الإسرائيلي الأخير على أهداف إيرانية ضمن ما تسميه تل أبيب عملية “الأسد الصاعد”.

براءة مصابة على أطراف الخليل

لم يكن في بال الأطفال الثلاثة في قرية سعير أنهم سيكونون ضحايا لصراع تتشابك فيه الجغرافيا بالتحالفات السياسية والعسكرية. مع سقوط الصاروخ، أصيب الثلاثة بشظاياه، بحسب ما أفاد الهلال الأحمر الفلسطيني، لينضموا إلى سلسلة لا تنتهي من الضحايا الذين يسقطون بلا ذنب سوى أنهم يعيشون على هامش صراعات لا يملكون منها فكاكاً.

وفيما سارعت الطواقم الطبية الفلسطينية لإسعاف المصابين، كانت وسائل الإعلام الإسرائيلية تتابع الحدث من زاوية مختلفة: رصد الصاروخ، التحقيق في نوعيته، تقييم مسار دفاعاتها الجوية، وتأكيدها أن “الأجهزة الأمنية تواصل التحقيق”.

الفارق الكبير في العدالة الإنسانية

في إسرائيل، يتمتع الأطفال بمنظومات إنذار متطورة تعطيهم دقائق ثمينة للهرب إلى ملاجئ محصنة تحت الأرض أو غرف آمنة داخل منازلهم. أما أطفال غزة، فيعيشون مأساة من نوع آخر، حيث لا يملك الكثير منهم سوى أسقف من الصفيح وجدران متهالكة تحيط بهم، قبل أن تنهال عليهم القنابل والصواريخ الإسرائيلية التي تسقط دون سابق إنذار في كثير من الأحيان.

في غزة المحاصرة، لا مكان آمناً ولا منظومة إنذار تتيح الفرار من الموت القادم من السماء. أحياء سكنية كاملة تُسوى بالأرض، عائلات بأكملها تُنتشل من تحت الأنقاض، ومدارس ومستشفيات تحولت في لحظات إلى ساحات دمار.

عندما تتحول الطفولة إلى جبهة مفتوحة

الطفل في إسرائيل قد يذهب إلى مدرسته صباحاً ثم يلجأ إلى الملجأ عند سماع صفارات الإنذار، بينما طفل غزة قد يُستهدف في مدرسته أو يُدفن مع أسرته تحت ركام منزله. في إسرائيل، كاميرات الإعلام ترصد الإسعاف السريع وأجهزة الدولة التي تسابق الزمن لعلاج المصابين، بينما في غزة غالباً ما ترصد الكاميرات صرخات الأمهات ووجوه الأطفال المغطاة بالغبار والدماء وهم يُنتشلون من تحت الخراب.

الحرب التي لا تفرق بين طفل وطفل إلا بالعنوان

تتقاطع في هذا المشهد المأساوي الروايات المتضادة: إسرائيل تقدم نفسها كضحية لهجمات “إرهابية” تستهدف مدنييها، وتطالب العالم بالدعم والتعاطف، بينما في غزة تسقط القنابل الإسرائيلية على رؤوس المدنيين بدعوى “العمليات الدقيقة لاستهداف المسلحين”، دون أن تنجو رياض الأطفال والمستشفيات والمراكز السكنية من القصف.

رسائل الحوثي.. وصدى الأطفال

الصاروخ الحوثي، الذي استهدف إسرائيل بهذا الشكل، جاء في سياق التصعيد بعد العملية الإسرائيلية في إيران، ليحمل في طياته رسالة سياسية وعسكرية إلى تل أبيب وحلفائها. لكن كعادة هذه الرسائل، لا يقرأها إلا الكبار في عواصم القرار، بينما يدفع الأطفال في الأرض الثمن الحقيقي بلحمهم ودمهم ومستقبلهم.

أطفال يدفعون الثمن  

في النهاية، يبقى الأطفال في كل من غزة والضفة الغربية وإيران، ولبنان، وسوريا، وحتى في إسرائيل، هم الحلقة الأضعف في صراعات الكبار. فالطفولة في المنطقة لا تُقاس بعدد الدمى والألعاب، بل بعدد المرات التي يهرب فيها الطفل من الموت، وعدد الأحباب الذين يودعهم مبكراً تحت التراب.

طالع المزيد:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى