أول مؤتمر يهودي عالمي ضد الصهيونية يعلن “إسرائيل لا تمثلنا”

وكالات – فيينا
في مشهد غير مألوف يعكس تصدعات عميقة داخل الجاليات اليهودية حول العالم، احتضنت العاصمة النمساوية فيينا أول مؤتمر يهودي عالمي مناهض للصهيونية. المؤتمر الذي استمر على مدى ثلاثة أيام متواصلة، شارك فيه مئات النشطاء والمفكرين اليهود من شتى بقاع العالم، إلى جانب متضامنين مع القضية الفلسطينية، ليرفعوا جميعاً شعاراً واحداً حاسماً: “إسرائيل لا تمثلنا ولا تتحدث باسمنا”.
رفض جذري للصهيونية
جاء المؤتمر ليقدم رؤية مختلفة، بعيدة عن السردية التقليدية التي طالما سادت المشهد الدولي، والتي اعتبرت أن الصهيونية تمثل بالضرورة جميع اليهود في العالم. وعلى النقيض من هذه الرواية، أجمع المشاركون أن الصهيونية ليست سوى أيديولوجيا سياسية قامت على مشروع استعماري اقتلاعي، وأن ربطها باليهودية يمثل تشويهاً للدين اليهودي نفسه.
وأكد الحاضرون في بياناتهم ومداخلاتهم أن انتقاد السياسات الإسرائيلية لا يمت بصلة لمعاداة السامية، بل هو تعبير عن موقف أخلاقي رافض للاحتلال والاستيطان والتمييز العنصري والتطهير العرقي، الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني منذ أكثر من سبعة عقود.
المعركة مع الأيديولوجيا لا مع الدين
في تصريح خاص لـ”قدس برس”، قال المؤرخ الإسرائيلي المعروف والبروفيسور في جامعة إكستر البريطانية إيلان بابيه، أحد أبرز المشاركين في المؤتمر:
“نحن هنا نمثل صوتاً يهودياً عالمياً يقول بوضوح إن جوهر المشكلة يكمن في المشروع الصهيوني نفسه، وليس في الديانة اليهودية. الصهيونية حركة استعمارية احتلالية، ونحن نؤمن بإقامة دولة فلسطينية حرة يعيش فيها الجميع بحقوق متساوية، يهوداً وعرباً ومسلمين ومسيحيين”.
وأوضح بابيه أن المؤتمر بعث برسالة مباشرة إلى العواصم الغربية التي تخلط بين نقد الاحتلال ومعاداة السامية قائلاً:
“هناك يهود كُثر في العالم يرفضون أن يتم الزج باسمهم في تبرير جرائم الحرب، أو القمع الذي تمارسه إسرائيل، لا سيما اليوم في ظل الإبادة الجماعية الجارية في قطاع غزة”.
“لحظة تاريخية”
بدورها، وصفت الناشطة اليهودية الأمريكية كايتي هالبر انعقاد المؤتمر بأنه “لحظة تاريخية”، مشيرة في حديثها لـ”قدس برس” إلى أن “اليهود المعارضين للصهيونية لم يعودوا أقلية صامتة، بل باتوا يشكلون تياراً متنامياً يرفع صوته أخلاقياً ضد الاحتلال”.
وأضافت هالبر:
“نحن كيهود نشعر بالمسؤولية الأخلاقية لتعرية الأكاذيب التي تروجها دولة الاحتلال باسمنا، ونؤكد أن الصهيونية لا تمثل جوهر اليهودية القائمة على قيم العدل والرحمة، بل تحولت إلى مشروع قمعي يعتاش على معاناة الفلسطينيين”.
وأشارت إلى المفارقة التي يعيشها المعسكر المعارض قائلة:
“إسرائيل ومناصروها يدّعون أن معارضي الصهيونية من اليهود هم معادون للسامية أو كارهون لذواتهم، بينما الحقيقة أن هؤلاء هم من يدافعون عن القيم الحقيقية للدين اليهودي في وجه آلة احتلالية دمّرت صورة اليهود في عيون الملايين حول العالم”.
دلالات التوقيت والمشهد الدولي
يأتي انعقاد هذا المؤتمر في توقيت بالغ الحساسية؛ في ظل ما يتعرض له قطاع غزة من عدوان عسكري دموي تجاوز فيه الاحتلال الإسرائيلي كل الخطوط الحمراء الدولية، ما فتح أعين العديد من النخب اليهودية الليبرالية حول العالم على حتمية الفصل بين الصهيونية واليهودية.
وفي ظل تصاعد حملات القمع في الجامعات الغربية بحق المتظاهرين المتضامنين مع غزة، وتنامي نفوذ اللوبيات الصهيونية في أوروبا وأمريكا، برز هذا المؤتمر كخطوة جريئة لكسر جدار الصمت وطرح رواية مغايرة قد تمثل نقطة تحول في الخطاب السياسي الغربي حول القضية الفلسطينية.
مواجهة أسطورة
على مدار عقود، عملت إسرائيل وحلفاؤها على تصدير صورة موحدة مفادها أن الدولة العبرية هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب اليهودي في العالم، وأن معارضة سياساتها تعني بالضرورة معاداة للسامية. إلا أن هذا المؤتمر وجه ضربة مباشرة لهذه الرواية، بإعلانه أن كثيراً من اليهود حول العالم يرفضون الاحتلال وجرائمه، ويقفون في صف الشعب الفلسطيني المضطهد.
محطة فارقة
يجمع المراقبون على أن مؤتمر فيينا قد يشكل محطة فارقة في إعادة تعريف العلاقة بين اليهودية والصهيونية في الوعي العالمي. فهو لا يمثل مجرد تجمع رمزي، بل تجسيداً لتحول عميق داخل قطاعات واسعة من الجاليات اليهودية الشابة والمثقفة في الغرب، التي باتت ترى في استمرار الاحتلال خطراً أخلاقياً وسياسياً يهدد ليس فقط الفلسطينيين، بل صورة اليهودية نفسها أمام ضمير العالم.