تقرير دعائى إسرائيلى عن عملية “الأسد الصاعد”.. الإنجازات التي تُغيّر الشرق الأوسط  

كتب: أشرف التهامى

 نشر مركز ألما البحثي الإسرائيلي، المقرب من دوائر صنع القرار الأمني والعسكري في الكيان، تقييمًا أوليًا للعملية العسكرية الإسرائيلية الأخيرة ضد إيران، والتي أطلق عليها اسم “الأسد الصاعد”.

هذا التقييم، الذي يزعم تحقيق “إنجازات تُغيّر الشرق الأوسط”، يعكس رواية إسرائيل الرسمية لأهداف وتداعيات هذا العدوان، ويثير العديد من التساؤلات حول حقيقة الأوضاع وتداعياتها الإقليمية.

رواية “المكاسب الاستراتيجية” الإسرائيلية

يزعم التقييم الأولي تحقيق “مكاسب استراتيجية هائلة وغير مسبوقة” ضد إيران، ويسرد “إنجازات” مزعومة تهدف إلى تقديم العملية كنجاح باهر:

مزاعم استهداف البرنامج النووي: يدعي التقرير وقوع “أضرار جسيمة” في منشآت رئيسية مثل نطنز وأصفهان، بالإضافة إلى “تصفية علماء بارزين”.

هذه المزاعم، إن صحت، تمثل تصعيدًا غير مسبوق في استهداف الكفاءات العلمية الإيرانية والبنية التحتية النووية، وتزيد من احتمالات الرد الإيراني.
اغتيالات قيادية: يزعم التقرير اغتيال “رئيس الأركان وخليفته، وقادة استخبارات وسلاح الجو في الحرس الثوري الإيراني”.

هذه الاغتيالات، إذا ما تأكدت من مصادر مستقلة، تعكس اختراقًا استخباراتيًا كبيرًا، ولكنها أيضًا قد تؤدي إلى تصعيد غير محسوب وردود فعل عنيفة من الجانب الإيراني.
تضرر ترسانة الصواريخ المزعوم: يدعي التقرير استهداف “مئات منصات إطلاق الصواريخ الباليستية ومواقع التصنيع ومرافق التخزين”.

الهدف من هذه المزاعم هو تقويض القدرة الردعية الإيرانية، لكن مدى الأضرار الحقيقية يظل محل شك.

ويُختتم هذا الجزء بادعاء أن العملية وجهت “ضربة موجعة إلى رأس الأخطبوط” (في إشارة إلى إيران) وغيرت “قواعد اللعبة جذريًا”، وأن “الشرق الأوسط لن يعود إلى ما كان عليه”.

هذا الخطاب يعكس محاولة إسرائيل لترسيخ صورة القوة المسيطرة وتغيير موازين القوى في المنطقة.

“الأسد الصاعد”: تحول الصراع الخفي إلى مواجهة مباشرة

يشير التقرير إلى أن عملية “الأسد الصاعد”، التي بدأت في 13 يونيو/حزيران بسلسلة من “الغارات الجوية الاستباقية واسعة النطاق”، قد “حولت الصراع من حرب خفية استمرت لسنوات بين إسرائيل وإيران إلى مواجهة عسكرية مباشرة بين الدولتين”.

وهذا التحول، وفقًا للتقرير، تمثل في “حملة جوية معقدة ومتعددة المجالات وواسعة النطاق بشكل غير مسبوق” على مدار الأيام الأربعة الأولى، بهدف “تفكيك أركان التهديد الإيراني”: البرنامج النووي، منظومة الصواريخ الباليستية، وسلسلة القيادة والسيطرة للنظام.

المنطق الاستراتيجي والتوقيت: نقطة اللاعودة المزعومة

يبرر التقرير قرار شن العملية بتراكم “معلومات استخباراتية مُقلقة” تزعم أن إيران “قد وصلت إلى نقطة اللاعودة في سعيها لامتلاك قنبلة نووية”.

ونقل التقرير عن مسؤول عسكري إسرائيلي قوله إن “إيران اليوم أقرب من أي وقت مضى إلى امتلاك سلاح نووي”، وأن امتلاكها لسلاح دمار شامل “يُمثل تهديدًا وجوديًا لدولة إسرائيل، وتهديدًا كبيرًا للعالم أجمع”.

هذا الخطاب، الذي يركز على “التهديد الوجودي”، يُعد جزءًا أساسيًا من الدعاية الإسرائيلية لتبرير أي عمل عسكري ضد إيران.

كما نقل التقرير تصريحًا لرئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، اللواء شلومي بيندر، الذي وصف الحملة بأنها “حملة وجودية بكل معنى الكلمة، ضد عدو يسعى لتدميرنا، ويسعى لتطوير قدرات نووية، ويتقدم بسرعة في تطويره النووي، كما يسعى إلى تطوير أسلحة تقليدية بكميات كبيرة”.

التهديد الإيراني من وجهة النظر الإسرائيلية

يعرف التقرير “التهديد الإيراني” بثلاثة مكونات تراكمية، وفقًا للمسؤول العسكري الإسرائيلي:

“المحفز النووي”: يزعم التقرير أن الاستخبارات الإسرائيلية “كشفت لأول مرة أن النظام الإيراني كان يُطوّر برنامجًا سريًا لتجميع سلاح نووي”، مدعية امتلاك أدلة على عمل “علماء نوويين ومسؤولين كبار” على تطوير “جميع المكونات اللازمة”، وأن النظام كان لديه “ما يكفي من المواد الانشطارية لحوالي 15 قنبلة نووية في غضون أيام”.

هذه الادعاءات تظل غير مدعومة بأدلة مستقلة ويمكن أن تكون جزءًا من حملة تبرير استباقية.

“الصواريخ الباليستية”:

يزعم التقرير أن إيران تمتلك “آلاف الصواريخ الباليستية، وتخطط لمضاعفتها ثلاث مرات”، مما يشكل “تهديدًا وجوديًا حتى بدون أسلحة نووية”، وتخطط لإنتاج “8000 صاروخ باليستي في المستقبل القريب”.
“انتشار الأسلحة إلى وكلائها الإقليميين”: يزعم التقرير أن إيران تسعى لتسليح “وكلائها في الشرق الأوسط، كجزء من خطة ملموسة لتدمير إسرائيل”.

كما يشير التقرير إلى أن “عاملًا حاسمًا آخر في التوقيت” هو “تفكيك تهديد القوة النارية والغزو البري الذي طورته إيران من خلال المحور الشيعي” خلال “الحرب” (دون تحديد أي حرب)، مما يعني أن إسرائيل “تواجه إيران الآن بمفردها، دون أن يقوم وكلاؤها بالعمل الشاق”.

هذه النقطة تكشف عن رؤية إسرائيلية لأهمية إضعاف نفوذ إيران الإقليمي.

“الضربة الافتتاحية”: ادعاءات التفوق الجوي والاغتيالات

تزعم عملية “الأسد الصاعد” أنها افتتحت بتحليق “نحو 200 طائرة مقاتلة تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي” لمهاجمة “أكثر من 150 هدفًا بأكثر من 400 ذخيرة خلال الـ 24 ساعة الأولى”. وكان الهدف المزعوم هو “تحقيق التفوق الجوي في عمق أراضي العدو”.

والضربات المزعومة ركزت على ثلاثة أهداف:

1- “تحييد منظومة الدفاع الجوي”: زعم التقرير “هجومًا واسع النطاق على منظومة الدفاع الجوي للنظام الإيراني في غرب إيران”، وتدمير “عشرات من أجهزة الرادار ومنصات إطلاق الصواريخ أرض-جو”، مدعية تحقيق التفوق الجوي “أسرع بكثير مما توقعت”.
2- “اغتيالات مستهدفة في سلسلة القيادة”: تفاخر التقرير بـ”سلسلة من الاغتيالات المستهدفة لأعلى مستوى عسكري وأمني في إيران”، مدعية القضاء على “ثلاثة من كبار القادة العسكريين” بمن فيهم رئيس الأركان وقائد الحرس الثوري وقائد مقر نظام الطوارئ، بالإضافة إلى “كامل المستوى القيادي العالي لسلاح الجو التابع للحرس الثوري”.
3- “مطاردة الصواريخ الباليستية”: يدعي التقرير تدمير صواريخ باليستية إيرانية “كانت في حالة تأهب لإطلاقها باتجاه إسرائيل”، بهدف “الحد من قدرة إيران على الرد الفوري”.

ويدعي مسؤول عسكري إسرائيلي بعد 30 ساعة من بدء الحملة أن “الطريق إلى طهران مفتوح فعليًا. الطريق الجوي إلى طهران مفتوح فعليًا”، في تصريح يهدف إلى بث رسالة تهديد مباشرة.

“التفكيك المنهجي” وادعاءات أضرار جسيمة

بعد “تحقيق التفوق الجوي” المزعوم، يزعم التقرير أن جيش الاحتلال واصل “حملة منهجية تهدف إلى تفكيك القدرات الاستراتيجية لإيران”، مع التركيز على:

البرنامج النووي: يدعي شن “هجمات واسعة النطاق على المنشآت النووية الرئيسية في نطنز وأصفهان”، وتُشير التقييمات الأولية الإسرائيلية إلى “أضرار جسيمة”، وأن إصلاحها “سيستغرق أكثر بكثير من بضعة أسابيع”.

ويزعم التقرير وجود “أدلة ملموسة على أنّ الإنتاج في أصفهان كان لأغراض عسكرية”. كما زعم التقرير “تصفية ما لا يقل عن عشرة علماء نوويين كبار” ومهاجمة “مقر منظمة الابتكار والبحث الدفاعي (SPND) في طهران”.
منظومة الصواريخ الباليستية: يدعي التقرير تدمير “أكثر من 120 منصة إطلاق صواريخ أرض-أرض”، وتدمير مستودعات الصواريخ ومصانع الإنتاج، بما في ذلك “موقع صواريخ الإمام علي في خرم آباد”، والذي وصفه بأنه “قاعدة تحت الأرض تابعة للحرس الثوري”.
منظومة القيادة والسيطرة والاستخبارات: يزعم التقرير أن “الضربة التي تلقاها القيادة الإيرانية عميقة ومتواصلة”، مدعية تصفية أربعة من “كبار مسؤولي الاستخبارات الإيرانية”، وتتويج حملة الاغتيالات بـ”تصفية جيش الدفاع الإسرائيلي علي شدماني”، الذي عين رئيسًا لأركان الحرب الإيراني قبل أربعة أيام فقط.

وتُظهر هذه الاغتيالات المزعومة، إذا صحت، قدرة اختراق استخباراتي كبيرة. ويدعي التقرير تدمير “مراكز القيادة في طهران بالكامل”.

ويبرر التقرير استهداف هذه الأهداف بـ”تقويض استقرار النظام كجزء من جهد أوسع للقضاء على البرامج النووية والصاروخية”، وهو ما يثير تساؤلات حول الأهداف الحقيقية للعملية.

الرد الإيراني والجبهة الداخلية الإسرائيلية

رغم مزاعم “النجاحات العملياتية”، يعترف التقرير بأن الحملة “ألحقت خسائر فادحة بالجبهة الداخلية الإسرائيلية”، حيث ردت إيران بـ”إطلاق مئات الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية باتجاه إسرائيل”. ويشير مسؤول عسكري إسرائيلي إلى أن إيران أطلقت “حوالي 400 صاروخ باليستي، بالإضافة إلى مئات الطائرات المسيرة”.

بينما زعمت أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية، بمساعدة أمريكية، اعتراض “معظم التهديدات”، إلا أن التقرير يعترف بأن “أنظمة الدفاع ليست مُحكمة الإغلاق” وأنه “لا يوجد دفاع فعال مثالي”.

ويُقر التقرير بـ”مقتل 24 مدنيًا إسرائيليًا جراء سقوط صواريخ في مدن مختلفة، وجُرح المئات” خلال الأيام الأربعة الأولى.

يزعم التقرير “فجوة أخلاقية” بين الجانبين، مدعيًا أن إسرائيل تهاجم “القدرات العسكرية والنووية المصممة لتدمير دولة إسرائيل”، بينما تطلق إيران النار على “المراكز السكانية بهدف إيذاء المدنيين”، هذا الخطاب يهدف إلى تبرير الرد الإسرائيلي وتحميل إيران مسؤولية الخسائر.

الساحة الدبلوماسية والدولية: بحث عن “مظلة دبلوماسية”

يشير التقرير إلى شن إسرائيل “حملة دبلوماسية واسعة النطاق بهدف توفير ‘مظلة دبلوماسية’ لأعمال جيش الدفاع الإسرائيلي”. ويزعم التقرير فشل إيران في “حشد المجتمع الدولي ضد إسرائيل”، مستشهدًا بعدم التوصل إلى أي نتيجة ضد إسرائيل في مجلس الأمن أو مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

ويؤكد التقرير على أن “الموقف العام في العالم الغربي تجاه العملية إيجابي”، ويستند إلى “إدراك أن التهديد الوجودي لإسرائيل له تداعيات على أمن المنطقة بأسرها، وأوروبا، والنظام العالمي”.

كما يشير إلى “دعم إدارة ترامب في الولايات المتحدة العلني للعملية، ومساعدتها بنشاط في دفاع إسرائيل، مع الحفاظ على موقف ‘فوق الصراع’ للحفاظ على مكانتها كوسيط محتمل”.

تقييم أولي: مزاعم “تغيير قواعد اللعبة” ومستقبل غير مؤكد

في ملخص التقرير، يزعم الكيان الإسرائيلي تحقيق “سلسلة من الإنجازات الاستراتيجية بالغة الأهمية” التي “ألحقت أضرارًا بالغة برأس المحور الشيعي الجهادي، إيران”. ويدعي أن هذه الإنجازات ستؤدي إلى “ثورة ضد النظام” الإيراني (مع الاعتراف بأن الزمن كفيل بإثبات ذلك).

ويدعي التقرير أن الحملة “كشفت عن القدرات العملياتية والاستخباراتية الاستثنائية لجيش الدفاع الإسرائيلي”، لكنها “كشفت أيضًا عن الخطر الجسيم الذي تعرضت له الجبهة الداخلية الإسرائيلية جراء برنامج الصواريخ الإيراني بأكمله”.

على الرغم من مزاعم “تفكيك معظم قدرات وكلاء إيران، بالإضافة إلى رأس حربة طهران”، فإن التقرير يعترف بأن “الحملة لم تنتهِ بعد”.

وفي الختام، يزعم أن “الأيام الأربعة الأولى من العملية غيرت قواعد اللعبة في الشرق الأوسط بشكل جذري، وجعلت إسرائيل قوة إقليمية”، متوقعًا “تداعيات استراتيجية بالغة الأهمية لصالح دولة إسرائيل”.

هذه الرواية الإسرائيلية، وإن كانت تقدم صورة للنجاح، إلا أنها تغفل التكاليف البشرية والمادية الحقيقية، والرد الإيراني الذي لا يزال قيد التطور، والتداعيات طويلة الأمد على استقرار المنطقة بأسرها.

إن التصعيد العسكري، حتى لو حقق “إنجازات” قصيرة المدى، غالبًا ما يؤدي إلى دورة من العنف وعدم الاستقرار، خاصة في منطقة حساسة كالشرق الأوسط.

طالع المزيد:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى