كيف يطارد جيش الاحتلال الإسرائيلي منصات إطلاق الصواريخ في إيران

كتب: أشرف التهامي
إسرائيل تكثف ضرباتها على منصات إطلاق الصواريخ الإيرانية، لكن المواقع المتنقلة وتحت الأرض تحد من فعالية الحملة مع ارتفاع عدد الضحايا.
عندما شنت إسرائيل عملية الأسد الصاعد ضد إيران، أشارت تقديرات الاستخبارات في الغرب ــ فضلاً عن أحدث تقرير صادر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية ــ إلى أن الجمهورية الإسلامية كانت على بعد ستة أشهر على الأقل من تجميع رأسها الحربي النووي الأول باستخدام مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب.
الصواريخ الباليستية الإيرانية
ومع ذلك، وبعد مرور أسبوع على الحرب، فإن التهديد الأكثر إلحاحًا وفتكًا لإسرائيل ليس التهديد النووي، بل وابل الصواريخ الباليستية بعيدة المدى المزودة برؤوس حربية ثقيلة.
هذه الصواريخ، التي تتراوح حمولتها المتفجرة بين 450 كجم ونحو 1000 كجم (990 إلى 2200 رطل)، تُحدث دمارًا هائلًا من خلال موجات الصدمة وانفجارات الضغط الزائد ضمن دائرة نصف قطرها يصل إلى نصف كيلومتر (0.3 ميل). هذا الدمار ليس نظريًا، بل يشهده ملايين الإسرائيليين في الوقت الفعلي، ليلًا ونهارًا.
وقد أدى هذا إلى مفارقة مُقلقة للكيان الإسرائيلي: فبينما تزعم إسرائيل أنها تُحقق انتصارات تكتيكية وعملياتية كبيرة في عمق الأراضي الإيرانية بغارات جوية دقيقة، يواجه سكانها المدنيون قصفًا شبه يومي.
وفي أفضل الأحوال، يُمكن للمتواجدين بالقرب من الملاجئ المُعززة البحث عن ملجأ؛ بينما لا يجد مئات الآلاف، وخاصةً في الأحياء القديمة والبلدات العربية مثل طمرة، ملاذًا لهم. أما بالنسبة لكبار السن أو ذوي الإعاقة، فإن البقاء على قيد الحياة يعتمد على الحظ أو الرحمة الإلهية.
هذه ليست معضلة جديدة لإسرائيل، التي لطالما أظهرت مرونة على الجبهة الداخلية كما يدعي الكيان. ولكن على الرغم من تفوقها التكنولوجي والاستخباراتي، فإن المؤسسة الدفاعية الإسرائيلية – جيش الاحتلال الإسرائيلي، وأجهزة الاستخبارات، وصناعاتها الدفاعية – لم تقدم بعد حلاً موثوقًا به لحملة الصواريخ الباليستية الإيرانية، والتي يمكن لطهران أن تطوّرها إلى تهديد استراتيجي بمجرد إطلاقها بكميات أكبر مما تستطيع أنظمة الاعتراض التعامل معه.
حتى الآن
لا يزال “تسرب” الاعتراض واضحًا: فكل وابل من الصواريخ يشهد اختراق عدد قليل من الصواريخ لدفاعات إسرائيل الجوية متعددة الطبقات، والتي عادةً ما تعترض حوالي 90%. صاروخ واحد من دفعة من عشرة صواريخ يمكن أن يُلحق ضررًا يعادل قنبلة جوية وزنها طن واحد.
كان هذا هو الحال في وقت سابق من يوم الخميس، عندما سقطت صواريخ بالقرب من مركز سوروكا الطبي في بئر السبع وحولون ورمات غان ، كانت معدلات الاعتراض أقل من المعتاد – وهو أمر يُجري جيش الاحتلال الإسرائيلي تحقيقًا عاجلاً فيه.
فلا يزال من غير الواضح ما إذا كانت إيران قد استخدمت نوعًا جديدًا من الصواريخ أو ما إذا كانت عوامل أخرى قد تسببت في هذا الخلل.
تبقى الحقيقة العسكرية الأساسية للكيان الإسرائيلي بحسب خبرائه العسكريين: “أفضل دفاع ضد الصواريخ هو الهجوم، وتحديدًا تدمير البنية التحتية للتخزين والإطلاق قبل إطلاقها.”
فمعظم منصات الإطلاق الإيرانية مدفونة تحت الأرض، مغروسة في سفوح التلال أو الجبال، مما يجعل اكتشافها وتحييدها أمرًا صعبًا. لكن بعضها متحرك، وقد دأبت الطائرات النفاثة والمسيرات الإسرائيلية على تعقبها بلا هوادة.
منذ بدء الحملة
نفّذ سلاح الجو الإسرائيلي مئات الطلعات الجوية التي استهدفت هذه القاذفات في مسعى يُعرف باسم “صيد القاذفات”. وكان تحقيق التفوق الجوي فوق إيران – وهو شرط أساسي للعمليات العميقة – هدفًا رئيسيًا للكيان الإسرائيلي.
بينما تنفذ الطائرات المقاتلة الضربات، تقوم طائرات مسيرة إسرائيلية طويلة ومتوسطة المدى مثل طائرات IAI Eitan وHermes 950 بمعظم عمليات الكشف والاستهداف.
تحمل هذه الطائرات المسيرة الإسرائيلية معدات مراقبة وصواريخ صغيرة قادرة على تعطيل منصات الإطلاق المتحركة أو حتى الصواريخ المثبتة عليها.
يُعد عدد منصات الإطلاق العاملة بمثابة العقبة الاستراتيجية أمام القوة الصاروخية الإيرانية. وقد ركزت القوات الجوية الإسرائيلية جهودها على تحديد مواقعها وتدميرها.
ويكمن التحدي في اصطياد منصات الإطلاق المتحركة الإيرانية خلال الفترة القصيرة عندما تكون خارج ملاجئها تحت الأرض، مرتفعة إلى وضع الإطلاق.
الكيان الإسرائيلي يبرر فشله
هذه المشكلة ليست جديدة: ففي حرب الخليج عام 1991، فشل الجيشان الأمريكي والبريطاني مرارًا وتكرارًا في تحديد مواقع منصات إطلاق صواريخ سكود العراقية وتدميرها، حتى مع وجود قوات خاصة من النخبة على الأرض. فقد أخفت القوات العراقية منصات الإطلاق تحت الجسور نهارًا وأطلقتها ليلًا.
اليوم، تُتيح التكنولوجيا أدواتٍ أكثر مثل:
التصوير عبر الأقمار الصناعية.
استخبارات الإشارات.
المراقبة الفورية بالطائرات المسيرة .
إلا أن التقاط منصة إطلاق في العراء لا يزال يتطلب التواجد في المكان المناسب في الوقت المناسب.
تُفاقم الصواريخ التي تعمل بالوقود الصلب المشكلة: إذ يُمكن إطلاقها بسرعة وبأقل قدر من التحضير، في المقابل، يجب تزويد الصواريخ التي تعمل بالوقود السائل بالوقود عموديًا لمدة تصل إلى 40 دقيقة، مما يُؤدي غالبًا إلى كشفها أثناء العملية.
تُخلّف هذه الفجوة الزمنية “بصمة” استخباراتية وبصرية يُمكن استغلالها أحيانًا لاعتراض الصواريخ أو شنّ ضربات استباقية.
تطوير الصواريخ الباليستية الإير انية.
ركز الحرس الثوري الإيراني تاريخيًا صواريخه الباليستية التي تعمل بالوقود الصلب في غرب إيران، بالقرب من تبريز وكرمانشاه والأهواز – وهي مواقع تبعد 1300-1500 كيلومتر (810-930 ميلًا) عن إسرائيل.
في الأيام الأولى للحرب، نجح سلاح الجو الإسرائيلي، إلى جانب المخابرات العسكرية لجيش الاحتلال الإسرائيلي وعملاء الموساد، في تحييد عدد كبير من الصواريخ والقاذفات في هذه المناطق.
ومع ذلك، دخلت إيران الصراع بمخزون يقدر بنحو 2500 صاروخ باليستي وحوالي 400 قاذفة. وحتى مع تدمير نصف القاذفات، لا تزال مناطق وسط وشرق إيران تتمتع بقدرة إطلاق كبيرة.
التفوق الجوي الإسرائيلي فوق تلك المناطق محدود، حيث تواجه الطائرات الإسرائيلية مسافات طويلة تتطلب التزود بالوقود جوًا، ويشكل التحليق فوق وسط أو شرق إيران مخاطر متزايدة. وهذا يجعل استهداف القاذفات أقل فعالية بكثير في تلك المناطق ، علاوة على ذلك، تشير الدلائل إلى أن إيران بدأت تتعافى من الموجة الأولى من الهجمات الإسرائيلية .

الحاجة إلى دعم تحالفي أوسع
يُبرز هذا الواقع العملياتي الحاجة إلى دعم تحالفي أوسع، وخاصةً من الولايات المتحدة. فالولايات المتحدة لا تمتلك قدرات فريدة لضرب مواقع نووية مدفونة تحت الأرض مثل فوردو فحسب، بل تمتلك أيضًا مجموعة واسعة من منصات الاستخبارات والطائرات المقاتلة المتمركزة بالفعل في المنطقة. كلما زادت الموارد المستخدمة في رصد منصات الإطلاق، زادت فرص النجاح، لحسب خبراء الكيان الإسرائيلي.
الخلاصة الإستراتيجية
بينما تُوجّه إسرائيل ضربات موجعة للبنية التحتية الإيرانية وآلتها الحربية، لا يزال التهديد الذي تُشكّله الصواريخ الباليستية على جبهتها الداخلية قائمًا بشكل خطير.
ويعتقد الخبراء العسكريون الإسرائيليون أن مزيج من الضغط الهجومي المستمر والدعم العسكري الدولي الأوسع وحده يُمكنه تقليص هذا التهديد إلى مستوى يُمكن السيطرة عليه.
فهل سينجح الكيان الإسرائيلي في تقليص تهديد القدرة الصاروخية الإيرانية ؟
المعطيات العسكرية على الأرض تؤكد أن الكيان لن يستطيع والقادم سيؤكد فشل الكيان في ذلك وفي حسم الصراع لصالحه.