اللواء مصطفى زكريا يكتب: دول الخليج دفعت ثمن الحرب مع إيران قبل أن تقع

في عالم السياسة، لا شيء يُمنح مجانًا؛ وهذه القاعدة لم تكن أكثر وضوحًا مما كانت عليه خلال حكم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب؛ حين عبّر بصراحة غير مسبوقة عن نظرة بلاده لحلفائها الخليجيين، فقال في أحد تصريحاته الشهيرة: “عليهم أن يدفعوا، هم لا يملكون شيئًا بدوننا ؛؛ نحن من نحمي عروشهم، وعليهم أن يدفعوا ثمن هذه الحماية”.
ما قاله ترامب، وكرره بأشكال مختلفة في أكثر من مناسبة، لم يكن مجرد استعراض انتخابي، بل عكس فلسفة إدارة أمريكية جديدة تقوم على فكرة: “الدعم مقابل المال”، أو ما يمكن تسميته “الجزية الحديثة” في ثوب معاصر.
تريليونات دُفعت مقدمًا خلال سنوات حكم ترامب، حصلت الولايات المتحدة من دول الخليج وعلى رأسها السعودية والإمارات وقطر على مئات المليارات من الدولارات في شكل صفقات تسليح واستثمارات ضخمة، بعضها تم الإعلان عنه، وبعضها ظل خلف الكواليس.
السعودية وحدها أعلنت عن صفقات بقيمة 110 مليار دولار خلال زيارة ترامب في 2017، بينما أشارت تقارير إلى أن مجمل ما دخل الخزانة الأمريكية من دول الخليج في عهده تجاوز تريليوني دولار، بين صفقات مباشرة، واستثمارات، وتمويل لقواعد عسكرية، وتطبيع سياسي يخدم الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط، هل كانت حربًا مؤجلة؟، ورغم هذا السخاء المالي غير المسبوق، لم تقع حرب مباشرة ضد إيران، وهو ما يفتح الباب للتساؤل:
هل دفعت دول الخليج ثمن الحرب مسبقًا، لكنها لم تحصل على الحرب؟ الواقع أن الإدارة الأمريكية سواء في عهد ترامب أو بايدن، استخدمت إيران كفزّاعة استراتيجية، لحلب المزيد من الأموال والتحالفات من دول الخليج، دون الدخول فعليًا في مواجهة شاملة، كل ما حدث كان مجرد شد وجذب، وعقوبات، وتهديدات، وضربات محدودة.
الحماية مقابل البقاء، ما قاله ترامب صراحة، هو ما كان يُمارس سرًا لعقود. فمعادلة “الحماية مقابل البقاء في الحكم” أصبحت سياسة أمريكية تجاه عدد من الحكومات الخليجية. وبموجبها تستمر واشنطن في تقديم الدعم الأمني والاستخباراتي، وتواصل نشر قواعدها العسكرية في الخليج.
وتحصل في المقابل على أموال، ونفوذ، وصمت سياسي في ملفات شائكة..مكاسب أم خسارة؟النتيجة أن دول الخليج دفعت الثمن، ولم تحصل على مقابل واضح، لا تم تحجيم إيران، ولا تم تأمين الخليج من نفوذها المتزايد، بل إن إيران، رغم العقوبات والحصار، تمددت أكثر في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وباتت أقوى سياسيًا وميدانيًا من أي وقت مضى، وستزداد قوة بعد صمودها الأخير ضد اسرائيل وأمريكا .