كيف يفكر الإسرائيليون فى حماس الآن ؟.. أسباب إطالة أمد هزيمتها

كتب: أشرف التهامي
يُفسر مزيج من تحديات ساحة المعركة، وأهداف الحرب الطموحة، والضغط العالمي بقاء حماس في السلطة بعد قرابة 21 شهرًا من 7 أكتوبر.
مرة أخرى، يدور الحديث عن وقف إطلاق نار بين إسرائيل وحماس – وقف قد يُعيد الرهائن الخمسين المتبقين إلى ديارهم، ويُنهي فعليًا الحرب التي استمرت قرابة 21 شهرًا بين حركة حماس و الكيان الإسرائيلي الدموي..
يبدو أن الضغط الأمريكي يتزايد في أعقاب الحرب التي استمرت 12 يومًا ضد إيران، والتي انتهت بوقف إطلاق النار، مع تزايد الدعوات الآن لانسحاب إسرائيل من غزة أيضًا.
فقد نشر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على قناته “Truth Social” يوم الأحد بأحرف كبيرة: “أبرموا صفقة في غزة. استرجعوا الرهائن!!!”
تشير التقارير الواردة من الكيان الإسرائيلي، إلى أن وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر سيتوجه إلى واشنطن اليوم، يليه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الأسابيع المقبلة، لدفع المفاوضات قدمًا ، ومع ذلك، فقد انهارت في اللحظة الأخيرة مزاعم سابقة بقرب التوصل إلى اتفاق.
ومما يُعقّد الأمور من وجهة نظر الكيان الإسرائيلي بقاء حماس في السلطة في قطاع غزة ، هذا يعني أن هدفين على الأقل من الأهداف الرئيسية للحرب :
- القضاء على حماس عسكريًا وسياسيًا.
- القضاء على غزة كتهديد لسكان جنوب إسرائيل .
هذان الهدفان سيظلان دون تحقيق إذا تم توقيع الاتفاق الخاطئ أو السابق لأوانه كما يراه الإسرائيلين.
ويُطرح سؤال أكبر: إذا استطاعت إسرائيل تحقيق أهدافها في معاركها ضد حزب الله وإيران بسرعة، فما الخطأ الذي حدث في غزة؟
7 أسباب
وفقًا للخبراء، هناك عدة عوامل مؤثرة. فيما يلي سبعة اختلافات رئيسية بين حرب غزة والصراعات الأخرى التي خاضتها إسرائيل في الأشهر والسنوات الأخيرة.
1- أكثر من مجرد أهداف عسكرية
أحد الأهداف المعلنة للحرب في غزة هو تدمير الجناحين العسكري والمدني لحماس. وهذا يتناقض مع أهداف إسرائيل المحددة بدقة في حملاتها الأخيرة ضد حزب الله وإيران.
وفقًا لآدي شوارتز من معهد ميسغاف الإسائيلي، فإن “هذا الهدف أوسع بكثير” من الأهداف في لبنان أو إيران، حيث يركز فقط على الأهداف العسكرية. في غزة، شرعت إسرائيل في تفكيك بنية تحتية حاكمة كاملة، عسكرية وسياسية على حد سواء.
إلى حد ما، نجحت إسرائيل في إضعاف حماس وصد عملياتها القتالية، على غرار ما حققته مع حزب الله والقدرات النووية الإيرانية. ومع ذلك، وعلى عكس الحالتين السابقتين، لا تزال حماس تسيطر على سكان القطاع.
2- أكتوبر غيّر كل شيء
منذ 7 أكتوبر 2023، أصبح الإسرائيليون أكثر فهمًا للتهديد الحقيقي الذي تشكله حماس. في ذلك اليوم، اخترق أكثر من 6000 من سكان قطاع غزة – أكثر من نصفهم بقليل من مقاتلي حماس – الحدود الإسرائيلية، وقتلوا 1200 شخص، واختطفوا 251 آخرين. كما جُرح آلاف آخرون.
وعلى عكس المعارك الأخيرة التي خاضتها إسرائيل، جعل هجوم 7 أكتوبر هذه الحرب ذات طابع شخصي ووجودي عميق. قال شوارتز لصحيفة ميديا لاين: “إنها حرب شاملة”.
الأمر لا يقتصر على الانتقام. لا يمكن للإسرائيليين – وخاصة سكان الجنوب – استئناف حياتهم بأي شعور بالأمن حتى يقتنعوا بأن حماس لا تستطيع إعادة تنظيم صفوفها وشن هجوم آخر. لا يزال ثقل السابع من أكتوبر يثقل كاهل الوعي الوطني الإسرائيلي .
3- معضلة الرهائن
منذ اليوم الأول، اضطرت إسرائيل للعمل في ظل قيود شديدة بسبب احتجاز الرهائن في غزة، قال شوارتز:
“كانت هناك أحياء ومدن معينة حرصت إسرائيل بشدة على عدم مهاجمتها أو قصفها، لأن الجيش الإسرائيلي كان يعتقد أن الرهائن محتجزون هناك. إذا كنتَ تعلم ذلك، فمن الواضح أن حماس كانت تعلم ذلك أيضًا. أي أنهم استطاعوا التمسك بهؤلاء الرهائن وجعل هذه المناطق مكانًا لمواصلة القتال”.
أشار شوارتز إلى الرهائن على أنهم بمثابة “غطاء أمني” لحركة حماس.
وأيد العميد (احتياط) أمير أفيفي، من منتدى الدفاع والأمن الإسرائيلي، هذا الرأي ، وصرح لصحيفة “ميديا لاين” بوجود توتر مستمر بين هدفين رئيسيين:
- إعادة الرهائن إلى ديارهم .
- القضاء على حماس.
وأضاف أن هذين الهدفين كانا في بعض الأحيان متعارضين بشكل مباشر، تمامًا للأسباب التي ذكرها شوارتز.
ومع ذلك، قال أفيفي إنه إذا كان وقف إطلاق النار المؤقت قادرًا على إعادة أكبر عدد ممكن من الرهائن إلى ديارهم، فعلى إسرائيل اغتنام هذه الفرصة – حتى لو أدى ذلك إلى إطالة أمد العملية العسكرية ضد حماس، طالما تم الحفاظ على هذا الهدف.
أوضح أفيفي قائلاً: “الفكرة هي أن يبقى الجيش الإسرائيلي في موقعه، فلا نتراجع. لدينا وقف إطلاق نار ثم نواصل. إذا تراجعنا وأعادوا تنظيم صفوفهم في المناطق التي سيطرنا عليها بالفعل، فهذه مشكلة”.
4- ميزة حماس تحت الأرض
تختلف محاربة حماس اختلافًا جوهريًا عن شن غارات جوية على إيران أو حتى شن غزو بري ضد حزب الله. أحد الأسباب الرئيسية هو شبكة أنفاق حماس المعقدة والواسعة.
حفرت الحركة أكثر من 200 ميل من الأنفاق تحت الأرض – العديد منها معزز بالخرسانة والحديد – مما خلق ساحة معركة خفية عقّدت عمليات إسرائيل بشكل كبير.
وأوضح أفيفي أن هذه الأنفاق استُخدمت لأغراض متعددة:
- لإخفاء الرهائن.
- تخزين مئات الصواريخ وقذائف الآر بي جي والعبوات الناسفة.
- توفير غطاء لمقاتلي حماس.
كما عطّلت الأنفاق العديد من مزايا الجيش الإسرائيلي في ساحة المعركة، مثل:
- جمع المعلومات الاستخبارية المتفوق.
- الغارات الجوية الدقيقة.
- وحدات القتال المدرعة المتطورة.
لقد اختبأ مقاتلي حركة حماس تحت الأرض، مما زاد من صعوبة استهدافه وهزيمته.
5- لا دولة، لا قواعد.
ومن التحديات الأخرى في غزة غياب أي شريك شرعي، أما في لبنان، بينما ينتمي حوالي ثلث السكان إلى الطائفة الشيعية ويؤيدون حزب الله، ينتمي ثلث آخر إلى الطائفة المسيحية، وثلث ثالث إلى الطائفة السنية، يسمح هذا التنوع بمستوى معين من التوازن السياسي الداخلي.
قال شوارتز: “هناك حكومة في لبنان تحاول، و لا نعرف بعد ما إذا كانت ستنجح أم لا، ولكن على الأقل لدينا جهة نعمل معها داخل لبنان لكبح عمليات حزب الله”.
في المقابل، لا تُتيح غزة مثل هذه الفرصة ، أوضح شوارتز: “في قطاع غزة، ما يقرب من 100% من السكان مؤيدون لحماس، أو على الأقل يشاركونها أيديولوجية حماس”.
علاوة على ذلك، وعلى عكس لبنان أو إيران، لا تُحارب إسرائيل دولة، بل تُحارب جيبًا ساحليًا يحكمه كيان محترف عسكرياً يجيد كافة فنون حرب الشوارع و العصابات و لا يلتزم بقواعد الحرب.
و قال هاريل تشوريف، الباحث البارز في مركز موشيه ديان الإسرائيلي : “هناك فرق كبير بين الحرب ضد دولة والحرب ضد منظمة إرهابية”. وأضاف: “منذ البداية، أخطأ الناس في مقارنة حرب السادس من أكتوبر عام 1973 أو حرب الخامس من يونيو بحرب غزة. هذه ليست حربًا تقليدية، حيث الدبابات ضد الدبابات أو المشاة ضد المشاة”.
6- إمداد العدو
حيث مسألة المساعدات الإنسانية، وأكد شوارتز: “إسرائيل، بخلاف أي دولة أخرى في العالم، مُلزمة بإمداد العدو”. تتعرض إسرائيل لضغوط هائلة لتقديم المساعدات وإطالة أمد الحرب. حصار منطقة ما أداة حرب تقليدية ومشروعة.
جادل شوارتز بأن إسرائيل خضعت لمعايير مختلفة عن غيرها من الدول في حربها ضد الفلسطينيين في غزة، إذ أُجبرت على توفير الغذاء والماء والكهرباء لمنطقة تسيطر عليها منظمة إرهابية، مما أدى إلى دعم حماس دون قصد.
وقال شوارتز: “لم أسمع قط عن جيش أو دولة تسعى لكسب حرب وفي الوقت نفسه تُقدم هذه الإمدادات للعدو”.
وأضاف أنه بدلاً من الرضوخ للضغوط الدولية، كان ينبغي على إسرائيل تطبيق سياسة أكثر وضوحًا. كان من الممكن نقل المدنيين الراغبين في الاستسلام بأمان إلى منطقة إنسانية مُخصصة جنوب قطاع غزة، حيث كانوا سيحصلون على الغذاء والماء والمأوى. وأشار إلى أنه كان من الممكن إعلان المنطقة المتبقية منطقة حرب دون مثل هذه القيود.
ووفقًا لشوارتز، فإن الفشل في إدارة هذا الوضع بفعالية ينبع من عاملين:
- الضغط الدولي المستمر .
- افتقار الجيش الإسرائيلي إلى خطة ملموسة للتعامل مع مثل هذا السيناريو.
7- حرب على جبهات متعددة
وأخيرًا، على الرغم من أن الهجوم من غزة أشعل فتيل الحرب، قال أفيفي: “لم تكن هناك لحظة واحدة تمكن فيها الجيش الإسرائيلي من تركيز كل جهوده على غزة”.
منذ البداية، تجاذبت إسرائيل في اتجاهات متعددة. فإما فرضت الإدارة الأمريكية قيودًا شديدة على الجيش، أو اضطرت إلى تحويل مواردها لمحاربة أعداء آخرين.
ومنذ إطلاق حزب الله أول صاروخ في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023، اضطر الجيش إلى نشر أعداد كبيرة من الجنود على الحدود الشمالية، وفي النهاية الانخراط في القتال في لبنان.
وبعد ذلك بوقت قصير، أدى سقوط نظام الأسد إلى حالة من عدم الاستقرار على الحدود السورية، مما استلزم قوات إضافية.
ثم جاءت تهديدات جديدة من الحوثيين وإيران، مما جذب المزيد من الاهتمام والموارد.
قال أفيفي: “لأول مرة في هذه الحرب، يتجه مركز الثقل بالكامل نحو غزة”. وأضاف: “أعتقد أن نجاح الجيش الإسرائيلي في تحييد المحاور – حزب الله، وسوريا، وإيران، والعراق، والحوثيين – كلها أصبحت ضعيفة للغاية – يُمكّننا من التركيز على غزة الآن”.
في ظل هذا الواقع الجديد، قال أفيفي: “سنتمكن من تحقيق المهمة”.
وأضاف: “لا يوجد شيء لا يمكننا فعله بمجرد أن نركز على ذلك”.
ويتفق الخبراء على أن النصر هو الخيار الوحيد.
صرح تشوريف لصحيفة “ذا ميديا لاين” بأنه لن يكون أحد على استعداد للعيش في المناطق المحيطة بغزة إذا لم يتم القضاء على حماس.
علاوة على ذلك، أكد كل من شوارتز وأفيفي أن بقاء حماس في السلطة سيشكل خطرًا ليس فقط على إسرائيل، بل على المنطقة بأكملها.
كارثة
وقال شوارتز: “أي سيناريو يُبقي حماس في قطاع غزة هو كارثة”، مضيفا: “ستكون الرسالة مدمرة: يمكنك أن تكون منظمة إرهابية جهادية متطرفة، تابعة للإخوان المسلمين – حتى لو كانت صغيرة وضعيفة – وتشن حربًا ضد أحد أقوى الأطراف في الشرق الأوسط – وتنجو… لا يمكننا السماح بحدوث ذلك” حسب قوله.
طالع المزيد:
– محلل إسرائيلي: إيران دفعت ثمن أخطائها وحماس تُركت معزولة