د. محمد إبراهيم بسيوني يكتب: لماذا تقع حوادث الطرق؟!

بيان

تتكرر في مصر حوادث الطرق بشكل مأساوي، خاصة على الطريق الإقليمي وغيره من طرق الأقاليم، لتكشف عن خلل عميق في تصميم هذه الطرق وإدارتها، وتضع علامات استفهام كبيرة حول الكفاءة المهنية للجهات المسؤولة عنها.

الأرواح التي تُزهق يوميًا لم تعد مجرد أرقام في نشرات الأخبار، بل صرخة موجعة في وجه منظومة فقدت القدرة على التقييم الذاتي والمساءلة الجادة.

وبينما ينشغل الإعلام بتبرير الفشل وتجميل الصورة، يُعفى المسؤول الأول من المحاسبة، وتُحمّل الضحية — كالعادة — اللوم على ما جرى.

الخلل لم يعد فنيًا فحسب، بل هو بنيوي في جوهره؛ إذ تُدار الملفات المدنية الحساسة بمنطق لا يعرف الشفافية ولا يخضع للمحاسبة الحقيقية.

الفريق كامل الوزير، رغم الثقة السياسية الممنوحة له، يقف على رأس وزارة تُنفَّذ تحت إشرافها مشروعات قومية كبرى، لكن النتائج على الأرض تنطق بإخفاقات واضحة لا يمكن تجاهلها. الإصرار على إنكار هذه الحقائق أو الاكتفاء بتبريرها بسلوكيات المواطنين لا يغير من الواقع شيئًا، بل يفاقم الأزمة ويعمّق الفجوة بين الشعب والحكومة.

والخطوة الأولى لتصحيح المسار تبدأ بالاعتراف أن الدماء التي تسيل على الأسفلت ليست قدرًا، بل نتيجة قرارات خاطئة وسوء تخطيط وتقصير في المتابعة والصيانة.

لا بد من إعادة النظر في أسلوب إدارة هذه الشبكات الحيوية، ونقلها إلى مؤسسات متخصصة، تخضع لرقابة علمية ومحاسبة قانونية، ويُشرف عليها مهندسون وخبراء طرق ونقل من داخل الجامعات والمراكز المتخصصة.

مصر لا تفتقر إلى الكفاءات، بل تفتقر إلى الإرادة التي تُعلي من شأن التخصص، وتحترم العقل، وتُقدّم سلامة المواطن على الاعتبارات السياسية والولاءات المؤسسية.

لقد آن الأوان لأن نتخلى عن منطق التقديس الإداري، وأن نتعامل مع المسؤولية العامة كأمانة لا كامتياز. فالأوطان تُبنى حين تكون الكفاءة هي المعيار، والمحاسبة هي الضمان، والناس هم الغاية لا الأداة.

وما لم يحدث هذا التحول، فإن شلال الدم لن يتوقف، وسيظل الطريق إلى التنمية معبّدًا بالأرواح، لا بالإنجاز الحقيقي.

اقرأ أيضا للكاتب:

د. محمد إبراهيم بسيوني يكتب: قانون الإيجار القديم (!!!)

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى