شريف عبد القادر يكتب: خارطة طريق لتقليل حوادث الطريق

بيان
(1)
كثيرًا ما قرأنا عن حوادث السيارات، وخاصة بعد الطفرة الملحوظة التي شهدتها الدولة في إنشاء الكثير من الطرقات، والتي أغرت البعض بالقيادة برعونة.
وما كنت أتعجب منه هو بُخل الدولة في وضع اليفط الإرشادية على الطرقات، حيث تفوقها عدديًا كاميرات المراقبة، مما يوحي بأن تقليل اليفط إنما هو من أجل إنعاش العائد من الكاميرات.
وأتذكر في تسعينيات القرن الماضي، مشاهدتي لطرق في إيطاليا وألمانيا، حيث يتكرر وضع ثلاث يافطات على مسافات متقاربة قبل الوصول للطريق الجانبي الموضح باليافطة، ليتجه إليه قائد السيارة باطمئنان.
كما توجد ببعض اليفط صور لقطار عند التوجّه لمحطة سكك حديد، وصورة طائرة عند الاتجاه إلى المطار.
أما عندنا، فتوجد اليافطة عند مدخل طريق جانبي أو فرعي، وتكون مرتفعة، وليست في مستوى نظر قائد السيارة.
ومن يفوته المدخل المقصود يتوقف، ويحاول العودة للخلف، وأحيانًا تقع حوادث بسبب ذلك.
ونظرًا لغلاء البنزين، يغامر قائد السيارة بالسير للخلف حتى لا يضطر إلى الذهاب لمدينة نصر ثم العودة إلى المقطم، مقصده النهائي، وهذا على سبيل المثال.
فلماذا لا تتكرر اليفط ثلاث مرات، ويُوضَّح بها الطريق الجانبي أو الفرعي؟ ولماذا لا تُلغى رخصة قيادة من يقودون برعونة، مع حجز السيارة لعدة أشهر بعد التأكد من رعونة السائق بواسطة كاميرات المراقبة أو التصوير بالتليفون، وفرض غرامة مالية مؤلمة عليه؟
أما الأطفال والصبية الذين يقودون بدون رخصة قيادة، فيجب أن يُحاكم معهم أولياء أمورهم، وإذا كان ولي الأمر مسؤولًا، يُحاكم ويُعزل من عمله لأنه لم يُحسن تربية ابنه، وخاصة في تعليمه احترام القانون.
وعلى الدولة إلغاء وضع الملصقات المهنية، وخاصة المحصنة، على زجاج السيارات، وتقتصر كما كانت في بدايتها على الأطباء والصحفيين.
وما نتمناه في رصف الطرقات أن يتم وفق المواصفات الفنية الفعلية، وفي حالة ظهور تلف بالرصف بعد فترة قصيرة، تُحاسَب الشركة المنفذة ومعها المسؤولون عن استلام الرصف، وتُغرّمهم الدولة متضامنين عن سوء التنفيذ، مع إقالة المسؤولين عن الاستلام.
كما يجب إيجاد علاج لآفة وضع البالوعات في منتصف الطرقات، وعدم مساواتها بنهر الطريق، لأن ما نشاهده يدفعني للاقتناع بضرورة وجود أخصائي لوضع أغطية البالوعات.
كما توجد آفة عند رصف الطرقات، إذ لا يُراعى تأثرها بحرارة الجو، وأيضًا ذوبان الرصف من مياه الأمطار. وأتذكر أن لي مقالًا نُشر في بريد الأهرام في ثمانينيات القرن الماضي، طالبت فيه بأن يتحمل الرصف المياه، لأن الرصف وقتها كان يذوب من المياه مثل السكر السنترافيش الذي يذوب بسرعة في الماء.
وللأسف، عند رصف طريق، يُسمح بعد فترة قصيرة بسير السيارات عليه، وخاصة النقل، التي تتسبب إطاراتها في وجود حفر طولية لمسافات طويلة. وهذا ما شاهدته منذ سنوات بطريق بنها – المنصورة.
ومن الآفات التي تتسبب في حوادث سيارات النقل خاصة، أن مالك السيارة التي تسافر لمسافات طويلة يعتمد على سائق واحد توفيرًا للنفقات، فيضطر السائق لتعاطي منبهات وغيرها، وإذا وقع حادث يُقال: “نصيبه”.
وأتذكر أن صاحب شركة نقل بترول (قطاع خاص) كان يفرض أسلوبًا حميدًا عام 1980، حيث كانت سيارات النقل الثقيلة تصل إلى “سِملا” قبل مرسى مطروح، وكان بالموقع حجرات لنوم السائقين بعد وصولهم، ويوجد طباخ خاص لتجهيز وجبات لهم. وبعد نومهم واستحمامهم وتناولهم طعامًا شهيًا، يتجهون لموقع آخر داخل الصحراء، وهناك أيضًا استراحة وطباخ، ولذلك كانوا يقودون السيارات بتركيز عالٍ.
أما داخل الأحياء على وجه الخصوص، فبعد الانتهاء من رصف بعض الشوارع — وغالبًا رصف على “وَدنِه” — نفاجأ بقيام مرفق الكهرباء أو المياه أو الغاز أو التليفون الأرضي بحفر مساحات من الشوارع حديثة الرصف، وكأن هناك ثأرًا بايتًا بينهم وبين الرصف! ويُقال إن شركة المرافق تقوم قبل الحفر بسداد قيمة ما ستحفره للأحياء.
لكن الأحياء لا تعيد الرصف إلا مع الميزانية الجديدة — وإن كانت لا ترصف لا مع الميزانية الجديدة ولا ما بعدها! وأحيانًا يتم الرصف على “ودنه” جدًا.
وأتذكر أيضًا، وأنا في إيطاليا، أن شركات المرافق لديهم متخصصون في الرصف، حيث شاهدت في ميلانو صباحًا عمال إحدى شركات المرافق يقومون بحفر في الأرض لعمل إصلاحات، وعند عودتي بعد خمس ساعات لم أجد أثرًا للحفر، وعرفت المكان من لون الرصف الحديث.
وزال عجبي عندما شاهدت معهم صباحًا “ميني وابور زلط”، حيث يقومون بالرصف حسب المواصفات الفنية. وقد علمت من صديقي المقيم هناك أن شركات المرافق لديهم قسم متخصص في الرصف.
نتمنى التخلص من السلبيات الإدارية المستمرة منذ عقود، وخاصة إهدار المال العام.
(2)
نشاهد في الطرقات متسولات وبرفقتهن أطفال لتحفيز المارة على إعطائهن المال، وأحيانًا متسولين. وكثيرًا ما نشاهد على السوشيال ميديا منشورات عن غياب أطفال، وأحيانًا يتم ضبط متسولات ويعترفن بخطف أطفال كانوا برفقتهن ويستخدمنهم في التسول.
وبما أن التسول ممنوع، وكان في الماضي يتم القبض على المتسولين، وإن كان لم يحدث ذلك منذ سنوات، فلماذا عندما يوجد متسولون وبرفقتهم أطفال ويدّعون أنهم أولادهم لا يتم اقتيادهم إلى معامل تحليل حكومية، وإخضاعهم لتحليل الـDNA على نفقة الدولة، مع احتجازهم طوال الأيام الثلاثة التي يستغرقها التحليل؟
وإذا كانت النتيجة عدم بنوة الطفل، تُعاقب المتسولة أو المتسول بسجن مشدد، مع البحث عن أهل الطفل وإيداعه بدار رعاية.
إن إجراء التحليل على نفقة الدولة لن يؤثر على ميزانيتها، من أجل إعادة أطفال لأسرهم، وسيساعد في امتناع المتسولين عن خطف الأطفال لاستخدامهم في التسول.
(3)
الساعة التاسعة والنصف مساء يوم الثلاثاء ٨ يوليو ٢٠٢٥، انتابتني وعكة صحية مفاجئة، فتوجهت إلى طوارئ مستشفى المقطم للتأمين الصحي التي أتبعها، وهناك فوجئت بأسلوب في غاية الراحة، حيث تم توجيهي إلى عيادة يسار مدخل الطوارئ.
استقبلني طبيب شاب مبتسم، وسمع ما أشكو منه، وقام بالكشف وطمأنني، وأن ما أعانيه بسبب حرارة الجو التي تتلاعب بالضغط، والحمد لله.
وكان الملفت والجميل أنهم اكتفوا برؤية دفتر التأمين الصحي في يدي دون فتحه، ولم يحدث كما حدث عند مرافقتي لصديق منذ سنوات قليلة، حيث يطّلع على الدفتر موظف الأمن، ثم التوجّه إلى شباك للتسجيل، ثم التوجّه لسداد رسوم بسيطة، ثم انتظار الطبيب للكشف، وكل ذلك استغرق وقتًا طويلًا وقتها.
لكن ما لمسته من اهتمام وأسلوب جميل في التعامل، ولم يُثبَت في السجلات حضوري والكشف عليّ، وإن كان ذلك لا يُظهر عدد المترددين على قسم الطوارئ، ولا الجهد الذي يبذله الأفاضل بالقسم للكشف عليهم.
ولذلك، أتوجه من خلال بابنا العزيز بالشكر للأفاضل العاملين بقسم الطوارئ، وللسادة الأفاضل:
الدكتور محمد عبدالله مدير المستشفى،
الدكتور أحمد مراد مدير الطوارئ،
الدكتور كيرلس جميل مدير الشؤون العلاجية،
الدكتور محمد زايد نائب مدير الشؤون العلاجية.
فلهم التحية على أسلوبهم المتميز، والعمل على راحة منتفعي التأمين الصحي.