نخب إسرائيلية تنتقد الجمود العسكري والسياسي في غزة وتكشف مأزق استراتيجية الاحتلال
كتب: أشرف التهامى
تتصاعد حالة الإرباك داخل الأوساط السياسية في إسرائيل، في ظل ما تعتبره النخب الإسرائيلية “تراجعًا” في الحسم العسكري داخل قطاع غزة، وغيابًا لرؤية استراتيجية واضحة، رغم مرور شهور على اندلاع العدوان على القطاع، وما صاحبه من دمار ومعاناة إنسانية غير مسبوقة.
وتساءلت دوائر القرار في تل أبيب، وفق تقارير صحفية عبرية، عن الأسباب الحقيقية التي تعرقل “تقدم” الجيش الإسرائيلي في غزة، لا سيما بعد التصعيد الكبير في أعقاب أحداث 7 أكتوبر، وتفاقم الأزمات الأمنية والسياسية التي تواجه حكومة بنيامين نتنياهو.
انقسام داخلي.. غياب رؤية وخلافات بين اليمين واليسار
تُظهر النقاشات داخل الطبقة السياسية الإسرائيلية انقسامًا عميقًا بين جناحين متعارضين. فبينما يتمسك اليمين المتشدد بخطاب القوة والردع، ترى أطراف يسارية أن العنف لن يؤدي إلى نتائج حاسمة، وأن تسوية الصراع مع الفلسطينيين لا بد أن تمر عبر مسار سياسي شامل، وليس عبر أدوات الحصار أو “العقاب الجماعي”.
لكن ما يثير قلق هذه النخب، حتى من داخل المعسكر اليميني، هو ما تصفه بـ”تردد” نتنياهو، وتقديمه حسابات سياسية داخلية على حساب الحسم الميداني، مقابل خطوات تُظهر قدرًا من “الليونة”، مثل السماح بدخول المساعدات أو عدم تنفيذ خطة عسكرية شاملة في شمال القطاع.
نقد الذات.. أزمة القيادة وسيناريوهات الردع
تُقر بعض الأصوات الإسرائيلية، رغم تبنيها خطابًا عدوانيًا، بأن حكومة نتنياهو تفتقر إلى الحسم، معتبرين أن الردع العسكري الحقيقي يتطلب “عزيمة وتضحية شعبية وتفويضًا عامًا”، وهو ما تفتقر إليه القيادة الحالية، وفق تعبيرهم.
وفيما يتحدث هؤلاء عن “خسارة الردع أمام حماس”، يذهب البعض إلى أبعد من ذلك بالمطالبة بإعادة الاحتلال الكامل لغزة، وإعادة توطين المستوطنين اليهود فيها، كوسيلة “لإعادة فرض السيطرة” على القطاع، وهي دعوات تُلاقي رفضًا واسعًا من المجتمع الدولي، وتُعد ضربًا من استحضار خطط استعمارية فشلت في الماضي.
خطط تصعيدية تفتقر للشرعية
يتردد في بعض الأوساط الإسرائيلية الحديث عن تبني سيناريو “الفصل السكاني” الذي ورد في خطة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، في إطار ما يُعرف بصفقة القرن، وهو ما يعني عمليًا تهجير سكان غزة قسرًا إلى مناطق أخرى، وهي خطوة تُعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، وتمثل جريمة محتملة بحق المدنيين.
ومع ذلك، تصطدم هذه الأطروحات المتطرفة بعدة حقائق:
-
الرفض الدولي والعربي المطلق لأي تهجير قسري للفلسطينيين.
-
صمود المقاومة الفلسطينية في الميدان، رغم التفوق العسكري الإسرائيلي.
-
تزايد التململ الداخلي في إسرائيل من استمرار الحرب دون أفق واضح أو مكاسب استراتيجية.
غزة ليست أزمة إسرائيل وحدها
في ظل هذه المعطيات، يتضح أن قطاع غزة ليس مجرد “ملف أمني” لإسرائيل، بل هو أحد تجليات أزمة أعمق داخل السياسة الإسرائيلية نفسها، التي تُعاني من استقطاب حاد، وتناقضات بين الطموحات الأيديولوجية والواقع على الأرض.
إن الإصرار على الحلول العسكرية، مع تجاهل الحقوق السياسية والإنسانية للفلسطينيين، لا يمكن إلا أن يؤدي إلى مزيد من التأزيم. وهو ما يدركه بعض الإسرائيليين أنفسهم، وإن كانوا لا يملكون أدوات التغيير أو التأثير في ظل سيطرة تيارات متشددة على مفاصل الحكم
ما يدور في إسرائيل اليوم ليس نقاشًا حول سُبل إنهاء الصراع، بل صراع داخلي حول من يتحمل مسؤولية الفشل في تحقيق نصر عسكري في غزة، في وقتٍ تزداد فيه المطالب الدولية بوقف العدوان ورفع الحصار، والدفع نحو حل سياسي عادل ودائم يضمن حق الشعب الفلسطيني في العيش بحرية وكرامة.





