فى مثل هذا الشهر “يونيو” قبل 105 أعوام اندلعت الثورة العربية ضد الأتراك العثمانلية
كتبت: أسماء خليل
كانت الثورة العربية، وليست العُرابية؛ حتى لا تختلط المفاهيم بالأذهان، فالثانية تُنسب لأحمد عرابي الذي قام بها ضد الاحتلال الإنجليزي على مصر، والأولى قادها الحسين بن علي شريف مكة ضد الدولة العثمانية.. وما بين اختلاف المُسميات وتعاقب السنوات تتولَّد الثورات.
فى مثل هذا الشهر “يونيو” قبل 105 أعوام اندلعت الثورة العربية الكبرى فقبل فجر يوم التاسع من شعبان 1334ه – 10 يونيو 1916م في مكة المكرمة، أطلق الشريف الحسين بن علي، شريف مكة، طلقة من بندقيته، تجاوز صداها أرض الحجاز، حتى وصلت بلاد الشام إيذانا بثورة مسلحة، وكانت الطلقة موجهة ضدَّ الدولة العثمانية.. حيث حكم العثمانيون العرب لعدة قرون كان أولها ازدهار وتقدم من وجهة نظر التاريخ، لكن لا راحة لشعوب محتلة، وآخرها استبداد وتردي في الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وتجنيد إجباري، ومصادرة الأملاك والأرزاق، ومن ثم مجاعة 1915، والسياسة القمعية لجمال باشا، الحاكم العسكري للولايات السورية العثمانية، إلى جانب تراكمات العلاقة المعقدة بين العرب؛ فجاءت الثورة كضرورةٍ مُلحَّةٍ لتحقيق مطالب الأمة العربية، التي تمثَّلت في الرغبة في الاستقلال .
زاوية أخرى
هناك المُتلصصون على الأحداث التي تجري بالعالم، إنهم يتصيدون بعض الثغرات لتحقيق مكاسب لبلادهم، وما لم يأتِ بالقوة يأتِ بالمكر والخديعة، كتلك المخططات التي كالت بها بعض الدول العربية لمصر، وكانت تريد لها التفكك والانهيار بعد ثورة يناير،،
إن بريطانيا باعتبارها طرفًا خارجيًا ما برحت تدخلًا في الشأن العربي، كانت أوروبا هي المتربصة للدول العربية وكانت على علم تام بالضعف والاضمحلال الذي آلت إليه الدولة العثمانية في القرن التاسع عشر؛ مما جعلها تطلق على الدولة العثمانية “ رجل أوروبا المريض.. استغلت أوروبا ذلك الموقف، حيث وجود طلاب من الدول العربية والدولة العثمانية يدرسون بأوروبا، وبدأت تبث بأعماقهم فكرة القومية، فزرعوا بداخلهم أنه لابد أن يكون العرب قومية منفردة ويكون الأتراك قومية أخرى.. وما دعا الطلاب للانقياد لهذا الفكر هو انبهارهم بمدى التقدم الذي بلغته الدول الأوروبية.
كانت أوروبا في ذلك الوقت تتحالف مع دول أخرى لتقسيم الدولة العثمانية إلى قوميات متعددة .. بدأ الطلاب يكونون مجموعة من الجمعيات مثل جمعية الاتحاد والترقِّي وهذه جمعية تركية بدأت السيطرة على كل شيء بالدولة وخاصة بعد عزل السلطان عبد الحميد الثاني.. ومن الناحية الأخرى قام العرب بتأسيس الجمعية العربية الفتاة التي تم تأسيسها بباريس عام ١٩١١، ثم بدأ القوميين الأتراك في اضطهاد العرب وأصبحت أكثر المناصب للأتراك،،
قام جمال باشا – الذي اشترك في عزل السلطان عبد الحميد- في اعتقال مجموعة من الشباب؛ مما زاد المشاكل وعمقها بين العرب والأتراك بالإضافة إلى المشاكل الاقتصادية الكبيرة والتي تفاقمت نتيجة الصراعات السياسية، وقل الأمن وانتشر قطاع الطرق، فقامت الجمعية العربية الفتاة بانعقاد أول مؤتمر لها عام ١٩١٣.
ساعدت أوروبا فكريا الطلاب الاتحاديين ليخربوا في الدولة العثمانية، والشباب العربي غاضب مما يحدث وكرهوا الأتراك وأرادوا الانفصال عنهم، وما فجَّر الأمور هو مساعدة جمعية الاتحاد والترقِّي دخول الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، ورأت الجمعية العربية الفتاة شخصًا مناسبًا لكي تتحد معه ويساندهم في التخلص من قهر العثمانيين وهو الشريف الحسين بن علي لأنه كان يكره الأتراك والاتحاديين بسبب جلوسهم على أسدة الحكم وحدهم ولم يعطوا أي مناصب للعرب.
تنفيذ المخطط
بدأت بريطانيا وفرنسا بتنفيذ باقي الخطة باستغلال العداوة بين القوميين العرب والاتحاديين الأتراك ويسقطوا الدولة العثمانية بشكل كامل، وخاصة أن بريطانيا لم تستطع تحقيق انتصارًا واحدًا على الدولة العثمانية، فقد تمت هزيمتها من قبل أمام العثمانيين في معركة الكوت العراقية وتم محاصرة الجيش البريطاني..
لقد هدفت الثورة، كما نصّ عليه في ميثاق دمشق، وفي مراسلات الحسين وهنري مكماهون التي على خلع طاعة الدولة العثمانية، وإقامة دولة عربية، أو اتحاد دول عربية يشمل شبه الجزيرة العربية نجد والحجاز على وجه الخصوص وبلاد الشام عدا ولاية أضنة التي اعتبرت ضمن سوريا في ميثاق دمشق مع احترام “مصالح بريطانيا في جنوب العراق” وهي المنطقة الجغرافية التي تبدأ في بغداد وتنتهي بالساحل الشمالي للخليج العربي.
بدأت المعارك الحربية في جدة 13 حزيران، وانهزمت الحامية التركية وتمت السيطرة على مكة في 9 تموز في عام 1916، وبعد شهرين تقريباً حرر العرب ثغري الليث والمويلح، على البحر الأحمر، وفي 23 أيلول 1916 استسلم الأتراك في الطائف، وفي تموز 1917 تمت السيطرة ميناء العقبة وقلعتها وقلعة المدوَّرة إلى الشرق،،
تمكن جيش الثورة العربية الكبرى بقيادة فيصل بن الحسين، وبالتعاون مع مسلحي القبائل، من تحقيق انتصارات عسكرية، وكسر الجيش العثماني على طول خط القتال الممتد من المدينة المنورة وحتى دمشق، وتمكنت الثورة من طرد القوات التركية من الحجاز، ومن مناطق في شرق الأردن، وساعدت المجهود الحربي البريطاني عسكريًا وسياسيًا في المناطق العربية..
دخل البريطانيون المنطقة العربية بقيادة الجنرال إدموند ألنبي من سيناء إلى فلسطين ومنها على طول الخط الساحلي حتى لواء إسكندرون؛ وفي آخر سبتمبر 1918 انسحب الأتراك من دمشق، وقبلوا بهدنة مودروس، ثم نهائيًا في معاهدة سيفر التنازل عن أملاكهم في نجد، والحجاز، وبلاد الشام، والعراق، وقيليقية، ومصر.
العَلَم الجديد
وفي مرحلة ما بعد الانتصار العسكري للثورة، اتجه الرأي لإقامة اتحاد أو تحالف دول عربية بدلاً من دولة عربية واحدة، ثم كان بيانًا رسميًا برفع العلم العربي ذي الألوان الأربعة ابتداءً من 10 يونيو 1917 وهو يوم الذكرى السنوية الأولى للثورة، حيث تألف العلم من أربعة ألوان، كان اللون الأسود للدولة العباسية، واللون الأخضر لآل البيت، واللون الأبيض للدولة الأموية، أما اللون الأحمر فيشير إلى دولة الأشراف الهاشمية، وقد استمر العلم حتى عام 1964.