طارق متولى يكتب: يوميات زومبى (40) سوبر زومبى
بينما كنا نجلس فى المكتب دخل علينا شاب حديث السن، وسيم يرتدى ملابس فاخرة يكاد شعره الأسود الناعم أن يغطى عينيه ينظر بإنفة وأشمئزاز إلى الغرفة التى تضم مكاتبنا ويسأل بثقة عن الأستاذ منصف مدير المكتب ردت عليه رحاب سكرتيرة المكتب نقوله مين؟ فقال لها قولى له عمرو خلاف، بعدها دخل إلى الإستاذ منصف وتحدث معه قليلا ثم خرجا سويا وقدمه الأستاذ منصف لنا قائلا زميلكم الجديد عمرو سينضم إلينا فى الشركة، ثم عهد الي أن أقوم بتدريبه على العمل وطلب من عامل البوفية أن يحضر له شيئا يشربه.
جلس عمرو بجوارى على المكتب رحبت به وبدأ حديث بيننا عن طبيعة العمل والحسابات وعرفنى بنفسه أكثر فعرفت أنه خريج إحدى الجامعات الأجنبية الخاصة الشهيرة وأنه نجل شخصية مهمة فى منصب قيادى كبير وان والده صديق للسيد عمران صاحب الشركة فرحبت به أكثر .
بعد حوالى ساعة وقبل موعد الانصراف من العمل شعر عمرو بالملل وقال لى يكفى هذا اليوم ونكمل غدا، ثم استأذن من الأستاذ منصف الذى سمح له بكل سهولة أن ينصرف، وقبل أن ينصرف تبادلنا أرقام التليفونات واتفقنا أن يمر علي فى الصباح ليصطحبنى إلى المكتب بسيارته كنوع من التقدير لمساعدتى إياه فى التدريب ، وجدتها فرصة فى الحقيقة لأستريح من عناء القيادة وأكدت عليه الموعد فى الثامنة صباحا كى نصل إلى المكتب فى الموعد المحدد .
فى صباح اليوم التالى جلست انتظره من الثامنة فأذا به يهاتفنى ويخبرنى أن انتظره قليلا فقد استيقظ لتوه وسوف يرتدى ملابسه ويأتى فى الحال انتظرته حتى تجاوزت الساعة التاسعة وهممت بالمغادرة بسيارتى فإذا به يهاتفنى ويخبرنى أنه ينتظر أمام مدخل العمارة، فنزلت ووجدته ينتظرنى داخل سيارة فارهة بالخلف وسائق خاص يفتح لى باب السيارة، أحسست أننى مع رئيس مجلس إدارة وليس مع موظف متدرب.
وصلنا الى المكتب متأخرين حوالى ساعة فوجدت استاذ منصف يرحب بنا على غير العادة ولا يتطرق لموضوع التأخير مطلقا، بل على العكس راح يطمئن على رضاء عمرو عن العمل الجديد معنا.
جلست أشرح لعمرو منظومة الحسابات والمبيعات فى الشركة وهو يحاول جاهدا أن يبدى اهتمامه بما أقول ثم رحت أشرح له نظام المرتبات والحوافز فى الشركة، وهو يستمع إلي بغير اكتراث فى هذه النقطة بالذات، تذكرت قصة ملكة سبأ عندما أرسلت هدية لسيدنا سليمان عليه السلام لا تساوى شيئا فى ملكه العظيم ،فماذا تعنى بضعة آلاف من الجنيهات لشاب يستقل سيارة تساوى أكثر من مليون جنيه .
فى الثانية ظهرا أستاذن عمرو الأستاذ منصف أن ينصرف واصطحبنى معه ليعيدنى إلى المنزل ووافق الأستاذ منصف بكل هدوء، فى الطريق الى المنزل إستاذننى عمرو أن يدخن سيجارة فى السيارة، اكتشفت على الفور من رائحتها أنها تحتوى على مخدر الحشيش، ارتسمت ابتسامة عريضة على وجهه وهو يرى علامات التعجب على وجهى ويقول لى: “علشان الواحد يفصل” ، تأملت كلمة يفصل ودارت عدة أسئلة فى راسى مثل يفصل عن ماذا ؟ ما الذى يعانى منه مثل هذا الشاب الوسيم الثرى لكى يريد الإنفصال عنه ؟ لم أجد إجابة، ربما الرفاهية التى نحلم بها جميعا هى التى تؤرقه، أيعقل هذا أن تكون الرفاهية معاناة فى حد ذاتها، أفقت من تفكيرى على عمرو وهو يعرض على سيجارة لأدخنها وأشعر بالنشوة مثله فأعتذرت منه بهدوء.
لم انصحه بالطبع فنصيحة مثلى لمثله لا تجدى، كنا قد وصلنا أمام منزلى فسلمت عليه ونزلت من السيارة وأنا فى حالة من الدهشة أفكر فى هذه الوظيفة الصغيرة جدا بالنسبة لعمرو وإمكانياته، الكبيرة جدا لأشخاص آخرين.
لم ينتظم عمرو فى العمل أكثر من عشرة أيام ثم اختفى ولم نسمع عنه شيئا وكأنما جاء ليسخر منا ومن عملنا فقط كزومبى من النوع السوبر .
فى المرة القادمة نلتقى مع اشكال جديدة وكائنات أخرى فالحياة مليئة بخبايا وأسرار وكائنات لم نتعرف عليها بعد فإلى اللقاء.