شريف عبد القادر يكتب: غش خمس نجوم
كثر الحديث عن التعليم فى مصر وخاصة مع ظهور نتيجة الثانوية العامة.
وأتذكر فى سنوات الستينيات والسبعينيات من القرن الماضى كان التعليم الحكومى مصاريفه زهيدة فعلاً وكانت المدارس الخاصة اعدادها قليلة.
وعندما يتصادف طلب تلميذ درس خاص من مدرسة كان المدرس يشعر بضيق لكون ذلك عدم إمكانه توصيل المعلومة لأحد تلاميذه وكان أغلب المدرسين يرفضون إعطاء درس ويبذلون جهداً إضافياً لتوصيل المعلومة بأسلوب أفضل.
وكان أغلب من يحصلون على درس خصوصى لا يبيحون بذلك ويحرصون على أن يكون الأمر سرى، لأن الكثير من أولياء الأمور كانوا يمنعون أولادهم من مصادقة من يعرف عنهم أنهم يحصلون على دروس خصوصية، وكذلك من يلتحقون بمدارس خاصة.
وكان عندما يتغيب تلميذ كانت إدارة المدرسة ترسل خطاب بالبريد لولى الأمر ليحضر ويوضح سبب غياب التلميذ وإذا وصلت أيام الغياب لحد معين يفصل التلميذ من المدرسة.
وفى الامتحانات كان بعض التلاميذ يلجأون للغش بما يسمى البرشام وهو عبارة عن عدة ورقات صغيرة ويكتب بها أبواب المادة بخط صغير للغاية ويوزعهم الطالب على جيوبه وشرابه وغيره من الأماكن فى جسده، ويستخرجها خلسة ليغش منها، وأحياناً كان بعض المراقبين يسهلون أو يساعدون التلاميذ الضعفاء ليجيبوا على الأسئلة.
وكان هؤلاء التلاميذ قلة ومن المضحك أن بعض أولياء الأمور عندما كانوا يسألون أولادهم عن اجابتهم عن الامتحان فيجيبوا بـ “غشيت” أو “غششونا”.. يكون رد فعل أولياء الأمور الدعاء بالنجاح.
ولكن مع مرور السنوات أصبح التعليم غير مجانى كما يشاع وانقلبت الأمور وأصبح التلميذ الذى لا يحصل على درس محل سخرية ومضايقة من مدرسه وإذا كان فى سنوات النقل يحرم أو تخفض منه درجات أعمال السنة.
وأصبح التلميذ الذى لا يحصل على درس من الفاشلين والملتحق بمدرسة خاصه من التلاميذ النجباء.
ولو تطرقنا للأقاليم سنجد أن أسعار الدروس والمجموعات أقل كثيراً من المحافظات الرئيسية مثل القاهرة والاسكندرية.
أما فى امتحانات الشهادات فحدث ولا حرج حيث المراقبين غرباء وكبار سكان المركز يتولون إرسال الوجبات لهم فى مقر إقامتهم الذى غالباً ما يكون مدرسة وبالطبع يتعرضون للتخويف، وكثيراً ما كنا نقرأ فى الثمانينيات عن الغش الجماعى فى بعض المراكز.
وتسير الأمور بشكل طبيعى ونسمع عن تهكم أولياء أمور بالقاهرة على أولادهم الذين حصلوا على مجموع أقل من أقرانهم بالأرياف.
ويمتد الغش ليصبح خمس نجوم حيث يقوم البعض من أصحاب السطوة والنفوذ الذين لهم أبناء بالثانوية العامة فيتم احتجازهم بمستشفى وتخصص لهم لجان خاصة، وما شاء الله دائما ما تكون نتائجهم مرتفعة.
فى سبعينيات وثمانينيات القرن الماضى كانت مدرسة خاصة بالقاهره يطلق عليها من باب السخرية “جامعة الدول” حيث كان يلتحق بها تلاميذ من كل الدول العربية بالصف الثالث الثانوى.. وكانوا يسددون مصاريف مرتفعة جدا بخلاف الإتفاق على انجاحهم بمبالغ أكبر، حيث كان صاحب المدرسة وسكرتيره رحمهما الله، لهما علاقات نافذة حيث كانا يعلمان بأسئلة الامتحانات قبل يوم من امتحان المادة ويخطرا بها التلاميذ العرب وأحياناً يتم إنجاح الراسبين من خلال المصححين محترفى التعرف على الرقم السرى من رقم الجلوس.
وكان صاحب المدرسة يخصص مرتب شهرى لسائق وزير التربية والتعليم مقابل إبلاغه بخط سيره أو تواجده فى مكان معين مثل مطاعم الفنادق ثم يذهب إلى المكان وكأنه قابل الوزير مصادفة.
وفى إحدى مواسم امتحانات الثانوية العامة تم إلقاء القبض عليه، هو وسكرتيره وتم حبسهما لعدة أيام ثم أُفرج عنهما على ذمة المحاكمة، ولم يعرف ماذا تم حيالهما، وإن لم يغيبا عن مرئى الناس إلى أن توفاهما الله.
وتطورت الأمور وأصبح علاقة تلاميذ المدارس بالمدرسة قيدهم بها دون حضور ويلتزموا بحضور الدروس الخصوصية ولم يعد بإمكان المدارس شراء طوابع بريد لإرسال خطابات لأولياء الأمور لاخطارهم بغياب أولادهم حتى المدارس الخاصه باهظة المصروفات والكتب والزى المدرسى لا تهتم بغياب تلاميذها.
والعجيب أن بعض أولياء الأمور لم يهتموا بنصيحة نشرت لى منذ أكثر من عشرين عاما بأن يقوم أولياء الأمور بإدخار المبالغ التى تنفق على الدروس الخصوصية لأولادهم ويتركونهم يذهبون للمدارس والمذاكرة دون دروس خصوصية.
وعندما ينتهوا من تعليمهم يتم استغلال المبالغ المدخرة لهم فى مشروعات لهم أو يتعايشوا منها، فذلك أفضل من الإنفاق على الدروس الخصوصية وعندما ينتهون من تعليمهم ينضمون لطابور العاطلين ويستنزفون دخل أولياء أمورهم.
كما أن التعليم أصبح استثمارى، وزادت المدارس الخاصة الأجنبية التى تفرض مواد على التلاميذ لا تنتمى لمصر والعالم العربى كما تم افتتاح العديد من الجامعات الأجنبية، الألمانية والكندية وغيرها.
وعلى الرغم من ذلك مستوى تلاميذ سنوات الثلاثينيات والأربعينيات عال جداً مقارنة بمستوى تلاميذ هذا الزمان، فقد وقع فى يدى كتاب لمادة الأشيه (العلوم) كان مقررا على تلاميذ مرحلة الإبتدائية فى الثلاثينيات .
إذا أردنا إصلاح التعليم فلابد من اتباع الأسلوب القديم ، وأن يكون المدرسين مؤهلين علمياً ونفسياً وأن يميز بمرتب يقيه اللجوء لإعطاء دروس خصوصية، ويعاد عمل المفتشين على المدارس، وحظر ظهور مدرسين بشكل مسىء فى الأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية.