عاطف عبد الغنى يكتب: فيلم هندى !
خلال الشهر الأخير، الصدفة وحدها قادتنى لأن أشاهد عدد من الأفلام الهندية (3 أفلام بالتحديد)، لم اختر الأفلام، ولكن اخترت أن أتابعها حتى نهايتها، أما بدايتها فكانت تتزامن بالصدفة مع فترات راحتى التى أغادر فيها شاشة الكمبيوتر، والعمل الصحفى لأستريح قليلا، أو أتناول الطعام.
وفى غرفة المعيشة حيث تتابع زوجتى فضائية متخصصة فى الدراما (تركية فى الغالب)، تقدم إلى جانب المسلسلات التركية التاريخية المبهرة، مثل “حريم السلطان” أو الاجتماعية الممتدة لمئات الحلقات مثل “على مر الزمان” إلى جانب أفلام “هوليوود” و “بوليوود” الهندية.
صدفة المزامنة وفضائية الدراما المشوقة التى تحوز على عدد كبير من زمن المشاهدة فى بيتنا، أتاحتا لى أن أكوّن رأي جديد فى هذه السينما، وذلك من خلال 3 أفلام كانت بمثابة عينة عشوائية من عشرات الأفلام، الهندية التى تم بثها خلال هذا الشهر المشار إليه.
كونت رأى جديد على الرغم من معرفتى النظرية السابقة أن السينما الهندية تنتج أفلاما عالية المستوى الفنى، إلى جانب الأفلام التجارية التى نسخر من مبالغاتها، وفجاجتها, وأعرف أيضا أن مدينة السينما الهندية الشهيرة “بوليوود” تضارع مثيلتها الأمريكية “هوليوود”، وأن الأولى التى أشتقت اسمها من “بومباى وهوليوود” تمثل رافدا مهما للدخل القومى لهذا البلد، الذى يزيد عدد سكانه على 1.40 مليار نسمة ثاني أكبر دولة من حيث عدد السكان، (بعد الصين)، وصناعة “بوليوود” ضخمة حيث تنتج حوالى 800 فيلم سنويا، أي تقريبا ضعف إنتاج هوليوود، وتشير الإحصائيات إلى أن 14 مليون هندي يذهبون يوميا إلى دور السينما، التى تساعد الملايين في الهند على تعلم القراءة.
والشاهد أن الانطباع الذى خرجت به بعد مشاهدة هذه الأفلام، هو أن السينما الهندية الحديثة، أستطاعت الوصول إلى المعادلة السحرية للقوة الناعمة فهى أولا: مشوقة وجذابة للمشاهد، ثانيا: ذات مستوى فنى معقول، ثالثا وهذا هو الأهم تقدم رسائل مبطنة، وأخرى مباشرة، تعلى من قدر الوطن، وتزكى روح الوطنية، وتحارب الفتنة، وتمجد مؤسسات الدولة وخاصة الجيش والشرطة، وتعلى من قدر الطموح الشخصى للأفراد من خلال تقديم أبطال من الشعب فى قوالب بطولة أسطورية.
ومن ضمن هذه الأفلام، واحدا يحكى قصة بطل رياضى، والقصة لشخص حقيقى، جاء من الريف، ومن بيئة فقيرة جدا، وتحدى كل الظروف، حتى أستطاع أن يحقق إنجازات رياضية كبيرة، حصل فيها على ميداليات أوليمبية، ورفع علم بلاده فى هذه المحافل، وأرسل الفيلم كل هذه الرسائل فى قالب درامى جميل ومشوق.
فيلم أخر يعرض قصة ضابط فى فرقة نخبة للعمليات الخاصة فى الجيش الهندى، والضابط يتمتع بإمكانيات بدنية وذهنية خارقة، وتقوده المفارقة الدرامية لأن يتصدى لجماعة إرهابية مكونة من “الخلايا النائمة” وبعد مغامرات عديدة ينتصر فى النهاية علي الإرهابيين، لكن بعد تقديم تضحيات كبيرة، وأكثر ما أعجبنى فى العمل هو الحوار، الذى يوصل رسائل مباشرة عن تضحيات الجيش، ودور القطاع المدنى فى مساندته، والمبادرة بجانب من التضحية هو الأخر.
والفيلم الثالث الذى شاهدته كان من بطولة نجم الهند الكبير شاروخان، وهو فيلم رومانسى استعراضى، وعلى الرغم من أنه يقدم البطل فى صورة الفتى الشقى (يذكرك بأحمد رمزى أو أحمد السقا)، إلا أن البطل فى المواقف الدرامية الحاسمة فى الفيلم كان يرفض الخيانة، والندالة، وينحاز للاختيارات النبيلة ويؤكد على أنها من مقومات الشخصية الهندية التى تتميز بالنبل والشهامة والأصالة، وهكذا قدم الفيلم – الذى لم يخلو من أشرار – نموذجا رائعا للشخصية الهندية يبقى فى الذاكرة.
والخلاصة أن هذه الدراما، تقدم المثل الدال على دور القوى الناعمة فى بناء الأوطان، ونؤكد على أن التفوق، وصعود الأمم ينبنى بالأساس على التأكيد على الميزات، والصفات الأساسية التي تسم المجتمع، أي تلك الخصائص الكامنة في الشعوب والتي تتفاعل لتخلق إرادة العمل، والإنتاج، والابتكار العلمى، والتكنولوجي، والتماسك الاجتماعي.
هذه الرسائل الإيجابية هى التى تخلق وتنمى الإرادة الوطنية، والخصائص الكامنة في الأمة، التى يرصدها علماء الاجتماع، والتى يمكن تعيينها، وقياسها، واستفزازها، مثلما حدث فى الحقبة الناصرية، وكانت فيها تلك الإرادة صادقة، وفى كامل عنفوانها، وأهم مظاهرها وجود طموح وطني قوي، واستعداد للعمل والتحصيل العلمي والتكيف مع الظروف الصعبة، وتجاوزها بالتغلب عليها، وهذا ما خلق الأبطال، والبطولة، على المستوى الفردى، والجماعى، فى كافة المجالات، وعلى أرضية وطنية تعى مصالح الدولة العليا، أستطاع هؤلاء الأبطال صناعة الحلم وترجمته إلى واقع، وقرأت لأحد الكتاب عبارة جميلة فى مقال عن الدول العظمى يقول فيها: “الفارق الجوهري في الصراع من أجل التفوق الذي تخوضه القوى العالمية لا يتمثل بالقوة العسكرية أو الاقتصادية بل بالميزات والصفات الأساسية التي تسم المجتمع”.