أمل أمين تكتب: ماذا يكمن في الأعماق؟
لا أملك ما يكفي من العلم لكي أفسر كيف لقاضٍ أن يقتل زوجته بوحشية ويشوه وجهها لعل لا أحد يتعرف إليها.
نعم لا أعرف الكثير عن علم النفس ولا أعتقد أن كل علوم الدنيا قد تفسر بشكل قاطع بحور الأنفس ودواخلها.
لكن هذه القضية ذكرتني بفيلم أمريكي لطيف اسمه ماذا يكمن في الأعماق؟ what lies” “beneath من بطولة هاريسون فورد والممثلة ميشيل فايفر، ويحكي الفيلم قصة العالم نورمان سبنسر الفيزيائي المحترم الذي يتوقع له الجميع أن يكون خلفا لأبيه العبقري.
ونورمان متزوج من سيدة رقيقة، فائقة الجمال إسمها كلير لكنها تعاني من الحزن والوحدة بعد رحيل ابنتها للدارسة وفي نفس الوقت يزداد انشغال زوجها بالعمل زوجها والإعداد لدراسة جديدة تؤكد على وجوده كعالم، ومع مرور الأيام يحدث شيئان.
أولا،: تبدأ ظواهر غريبة تحدث في المنزل توحي بوجود شبح، وثانيا: تسيطر على كلير فكرة ان أحدهم قُتل وتختلط الأفكار في عقلها وتعتقد ان هذا الشخص جارتها، لكنها مع الوقت تكتشف خطأها وان ما تحمله داخلها من ذكريات ومشاعر بمعرفتها سابقا بوجود علاقة غرامية بين زوجها وتلميذته المدعوة ماديسون فرانك لكنها أصيبت بفقدان للذاكرة ونسيت الموضوع تماما.
وتقرأ كلير خبر في الجريدة مفاده أن ماديسون اختفت منذ سنة وتستمر في البحث عنها حتى تصل إلى صندوق يخص الفتاة مدفون في قاع البحيرة التي يطل عليها منزل الزوجية وتواجه كلير زوجها بما اكتشفته فيعترف لها ان ماديسون أصابتها نوبة غضب وقفزت إلى البحيرة بسيارتها، وهنا تطلب كلير ان يطلب البوليس لاخراج الجثة فيخدعها ويوهمها أنه أجرى الاتصال.
ثم يخدرها بمخدر يسبب شلل لكل أطراف الجسم وتبقى الضحية بكامل وعيها.
وعندما يطمأن نورمان إلى أن زوجته شبه ميتة يكشف لها سره، ويحكي لها الحقيقة كاملة وهو يغرقها في البانيو ويخبرها انه قتل ماديسون عشيقته بنفس الطريقة لانها هددت بفضح علاقتهم، وانه سيقتل أي أحد يقف في طريق مستقبله ويحاول تدمير سمعته..
يمكن القول أن من أمتع الأشياء في هذا الفيلم الحوار الذي صيغ ببراعة ليوضح الأبعاد النفسية لشخصية نورمان واحساسه بالتقزم مقارنة بوالده العالم المشهور ..وكيف كان عليه أن يحافظ علي هذه السمعة وهذا الكيان، على الرغم من رغباته الداخلية التي تتناقض مع الواقع.. وكيف كان يشعر بالنقص العاطفي لان زوجته تحب ابنتها من زواجها السابق أكثر منه..
إن هذا الفيلم يدفعنا إلى أن نسأل كم شخص في حياتنا يبدو بمظهر لائق ويبدو أنه يملك كل شيء ..مركز مرموق وعائلة ومال واحيانا سلطة كبيرة، شخص ينظر إليه الجميع بتقدير وخوف كبير.
لكن خلف هذا التنكر لا أحد يعرف أي شئ عن ما يدور في داخله، لا أحد يعلم إلا الله كيف تتضارب مشاعره بين مركزه الاجتماعي المرموق وما يريده فعلا وما يخفيه..
وأستطيع ان اتخيل هذا القاضي وهو ينزل من بيته يرتدي حلة فاخرة وينتظره السائق الذي عينته الحكومة خصيصا له، ينظر إليه جيرانه بالتبجيل، يبدو للجميع أنه رجل رائع وأب عظيم بكل ما تعنيه الكلمة، لكنه في الحقيقة يحمل أسرار خطيرة ويعيش إزدواجية بشعة مع إمرأة كانت عشيقته لفترة ثم زوجته في السر..
إن هذا يدفعني لكي أسأل ماذا يكمن في أعماق النفس البشرية ؟
سؤال يتطلب إجابة من علماء الاجتماع فمن السهل أحيانا أن تفسر جريمة يرتكبها عاطل لكن ماذا عن رجل امتلك كل شئ ومع ذلك قتل زوجته بوحشية ليستمر في حياته بعدها؟!
كيف كان رجل القانون يفكر في حقيقة تطبيق القانون في بلده؟
هل كان يعتقد أن يد العدالة لن تطاله؟
هل نحن بحاجة إلى إخضاع كبار العاملين في الدولة إلى كشف نفسي دوري للتأكد من سلامتهم العقلية؟
هل نعيش كلنا ازدواجية يتطلبها المجتمع فنتصرف ونتكلم وفق ما يمليه علينا لكننا نؤمن بعقيدة مختلفة..؟
لماذا تهتم الدولة كثيرا بعلاج الأمراض المزمنة ولا تهتم أبدا بوضع معالج نفسي في كل وحدة رعاية صحية، لماذا ننظر إلى المريض النفسي على انه عار، أو أنه شخص مفروغ منه، متى يستطيع الانسان ان يعترف ببساطة بمرضه النفسي ويطلب المساعدة من أصدقائه وعائلته؟
اعتذر لكم هي أسئلة تدور في عقلي لكن لا أملك الإجابة عليها!