د. ناجح إبراهيم يكتب: يوميات عيادتي (7)
• دخل علي وهو أشبه بحطام إنسان رغم جمال وجهه, يسير على عصا متواضعة, ما إن ترحب به حتى ترى بعض الدموع الحبيسة في عينية, وكأنه لم يسمع ترحيباً قط ,كان مساعداً للقبطان البحري لأعالي البحار, يعيش في بحبوحه من العيش, سافر لكل الدول وذهب لكل المواني,عرضت عليه نساء كثيرات رفض كل الإغراءات من محترفات البغاء وغيرهن, كان يعطيهم الأموال, ولا يقترب منهن, كانت زوجته موظفة صغيرة, كان يسافر كثيراً فكتب لها كل أملاكه ومنها الفيلا التي وضع فيها تحويشة عمره,خرج للمعاش وأصبحت زوجته مدير عام بإحدى الشركات , أخذت الفيلا وخلعته,يجلس في شقته القديمة يغسل ويطبخ وينظف الشقة بنفسه ولنفسه, يبكي كثيراً,ولشدة بكائه أصابته الصدفية التي لم تترك جزءً من جسده إلا وجهه الذي كرمه الله بأن يعافيه من كثير من الأمراض الجلدية.
• له بنتان وولد محاسب, كلهم يعطف عليهم “من بعيد لبعيد” كما يقولون.
• يردد دوماً لولا المعاش لاضطررت لمد يدي فأقول له:المعاش أعتبره أعظم اختراع بشري ولولاه لذل أكثر المصريين.
• المعاش هو اختراع وإبداع الخليفة الملهم العادل عمر بن الخطاب إنه أول من فرض معاشاً للمريض وكبير السن من أي دين أو عرق في دولة خلافته.
• كل تجاربي في الحياة تقول: المعاش ستر وكرامه وعزه للمصري وخاصة مع هذا الزمن الصعب.
• يكرر على ابنه القول لا تكتب ممتلكاتك لزوجتك, أمازحه :وهل لديه ممتلكات تستحق لهذا التكرار.
• حياة البحارة تعلمهم الاعتماد على النفس والرضا بالوحدة, أسوأ شيء في الحياة القسوة والجفوة والفجور في الخصومة, منظر جسده الذي لم تترك الصدفية مكاناً الا واجتاحته يدعو للرثاء “الجلد مرآة النفس, صفا إن كانت النفس صافية رائقة كان الجلد كذلك.
• قلت له:ستعود أفضل مما كنت,وسيعوضك الله بعفتك وصبرك أفضل مما فقدته.
• ودعته عند الباب على وعد بلقاء .
• ما أقسى أن تطعن شيخاً مسناً في ظهره في وقت يستعد فيه للراحة,ليعاني جراحات وصعوبات الحياة مجدداً,وكأنه شاب يمكن ان يبدأ العوم وحده في بحر لجي بعد تحطم سفينته, ياأحبتي, ارحموا أبائكم أوأمهاتكم أو أقاربكم أو خدمكم, أو الدليفري أو البائعه فعمره لا يتحمل مزيداً من الطعنات.