د. قاسم المحبشى يكتب: الناس للناس والمشاعر المقياس
إن أردت أن تتأكد من وحدة النسيج الاجتماعي السياسي الثقافي لمجتمع ما ، فعليك بالنظر إلى طبيعة مشاعر أفراده؛ وعواطفهم ؛ بماذا يشعرون وكيف يعبرون عن مشاعرهم وانفعالاتهم ؟.
فإن وجدت قواسم مشتركة في مشاعرهم ودوافعها وأنماط التعبير عنها فاعلم أن ثمة وحدة من نوع ما تسري في نسيجهم الاجتماعي الثقافي المشترك سريان الروح بالجسد وهذا هو ما يسمى (الاندماج الاجتماعي ).
أما إذا وجدت مشاعرهم وعواطفهم مشتته وأن لا أحد منهم يشعر شعور الأخر، ولا أحد يحس بما يحس به جاره من عواطف ومشاعر الحزن والفرح والتعاطف والشفقة والحب والكره، وأن كل في فلكه يسبحون، فاعلم أن البون شاسعا بينهم والوحدة والتوحد والاندماج دونها خلط القتاد.
وهكذا كما أن ما يربط أفراد الأسرة والعشيرة والطائفة والمذهب والمجتمع المندمج هي مجموعة من المشاعر المشتركة النابعة من المصالح والروابط المشتركة في الواقع.
وكذلك يفترض أن يتأسس المجتمع تخيليا، عن طريق الوعي الانعكاسي حينما تكون الذات عينها كأخر !.
بمعنى قدرة كل فرد من أفراد المجتمع المتعين على استبطان مشاعر الآخرين الذين لايعرفهم معرفة شخصية في وعيه والتعاطف معهم والشعور بمشاعرهم، وهذه هو ما يفسر الشعور القومي أو الوطني أو المدني التضامني في المجتمعات التي تحكمها دولة ديمقراطية حديثة.
فكيف هي مشاعر وعواطف الناس في مجتمعاتنا العربية الإسلامية الراهنة ؟! والتضامن ليس فكرة ولا قيمة أخلاقية ولا ثقافة مدنية فحسب بل هو جوهر وأصل كل حياة اجتماعية مجتمعية من مجتمع النمل والنحل والقرود الى مجتمع الإنسان العاقل، ولا وجود لأي مجتمع بدون قيم تضامنية من أي نوع من الأنواع، وليس هناك أي فرق في حقيقة الحاجة التضامنية الفعلية سواء أكان ذلك في مملكة الحيوان أو عالم الانسان؛ فقط الفروق تكون بنوعية التضامن.
وأما أن يكون تضامنا فطريا غريزيا كما هو الحال في مملكة النحل والنمل والقرود والغربان وما شابهها وأما يكون تضامنا تقليديا ميكانيكيا بداعي العصبية والحمية وروابط الدم والقرابة والعشيرة والقبيلة والمذهب والطائفة والحزبية والقومية والمعقد وما شابها من صيغ التضامن التقليدية في حياة الجماعات البدائية التي يكون الانتماء اليها أوتماتيكيا بالمولد والنشاءة بلا إرادة حرة ولا اختيار وهذا هو نمط التضامن الميكانيكي العمودي حسب دور كهايم.
وأما يكون تضامنا مدنيا عضويا كما هو حال تضامن المجتمعات الحديثية المؤطرة في كيانات وهيئات مؤسسية رسمية ومدنية قانونية، إذ يكون التضامن فيها ذات طبيعة أفقية يعتمد على الحرية الفردية والاختيار الفردي النابع من الذوات الفردية وإرادتها الحرة وليس من المرجعيات والهويات السابقة لها لكينونتها المدنية.
وقد كان وما زال وسيظل التضامن ضرورة حياتية وصيغة ممكنة لديمومة الحياة المشتركة للكائنات الحية والناس في كل زمان ومكان وهكذا ظل النمل مجتمعا تضامنيا بينما الصراصير لا تتضامن لأن كل صرصور يعيش وحده، هذا هو رأي عالم الاجتماع الفرنسي دوركايم وليس أضغاث أحلام!
ولا وجود لمجتمع مدني وطني بدون قوة تضامنية فعالة وقادرة على حماية نفسها ومجتمعها ضد أي عدوان خارجي أو داخلي قوة تضامنية عضوية قادرة على الدفاع عن أعضاء مجتمعها والوقوف ضد كل ما يهدد سلامه السياسي والاجتماعي والمدني ! وهذا هو المبدأ الفعّال في كل حياة مشترك من خلية المجتمع الأولى العائلة حتى الهيئة العامة للأم المتحدة، إذ أن قيمة ومعنى المنظمات والمؤسسات والكائنات من أصغرها الى أكبرها يتحدد بقدرتها وقوتها التضامنية الفعلية وليست المتخيلة.
وحينما يحوّم الخطر والتهديد فوق رؤوس الجميع يكون التضامن والتعاون هو الموقف السليم الجدير بالقيمة والأهمية.