د. ناجح إبراهيم يكتب: “مرحباً.. الملك تشارلز “
كتب الدكتور ناجح إبراهيم، مقالاً بعنوان”الزوج المدمن مأساة العصر” وتم نشره في جريدة الوطن، وفى التالى نص المقال:
تولى الملك تشارلز الثالث سدة الحكم بعد وفاة والدته الملكة إليزابيث بعد عمر ناهز 96 عاماً، والملك تشارلز عمره الآن 70 عاماً، وقضى أطول فترة ولاية عهد فى العالم كله، فقد كان ولياً للعهد فى الثالثة من عمره فى سابقة فريدة، ووصل إلى الحكم فى خريف عمره.
هذا الملك يتمتع بالحكمة والتعقل والإنصاف منذ شبابه، حتى إنه اقترح على بريطانيا أن تغير شعار المملكة من «راعية العقائد البروتستانتية» إلى «راعية العقائد الدينية» لتشمل كل الرسالات السماوية الثلاث؛ رسالة محمد وموسى والمسيح، عليهم السلام.
هو أحد محبى الخير، فمؤسسته الخيرية ساعدت قرابة المليون شاب فقير وعاطل عن العمل خلال 50 عاماً.
يحب الناس جميعاً حتى النباتات والأشجار التى يزرعها كان يتحدث إليها ويصافحها.
كان منذ شبابه رمزاً للحكمة، وكان من المعارضين لغزو بلاده للعراق، ويتحدث دوماً عن حل عادل للقضية الفلسطينية.
والملك تشارلز هو من القلائل الذين درسوا اللغة العربية والقرآن الكريم دراسة متعمقة، وهو متعاطف دوماً مع قضايا العرب العادلة، وزار معظم الدول العربية، خاصة مصر التى يعشق نيلها، وفى كل مرة كان يزور الأزهر الشريف والكنيسة المصرية.
وفى زيارته الأخيرة للأزهر استقبله الإمام الأكبر د. أحمد الطيب، وكتب الإمام بعد الزيارة: «سعدت بلقاء الأمير تشارلز بالجامع الأزهر ووجدت فيه قائداً يتحلى بالحكمة والمسئولية وصوتاً غربياً منصفاً فى حديثه عن الإسلام والمسلمين»، والحقيقة أن الملك تشارلز كما وصفه الإمام الأكبر.
وقد تابعت مسيرته منذ ثلاثين عاماً وأعجبت بحكمته وتريثه ومحبته للإسلام والشرق، واحترامه لنبى الإسلام، ومدحه للقرآن الكريم، فالملك تشارلز لم يضبط يوماً لا فى شبابه ولا هرمه يدعو إلى إقصاء الآخر أو التعصب لعرق أو دين معين أو سب العرب أو المسلمين أو الرغبة فى إقصائهم، أو عدم الاعتراف بحضارتهم.
ومن أهم مآثر الملك تشارلز حكمته التى ظهرت فى كلمة ألقاها عام 2010 بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيس مركز الدراسات الإسلامية بجامعة أكسفورد، الذى يعود الفضل فى إنشائه مع عشرات غيره فى أرقى الجامعات الكبرى إلى الملك السعودى الراحل، صانع المعروف، خادم الحرمين، الملك فهد، التى استمرت قرابة الساعة والتى لم يتخيل أحد أن ملك بريطانيا ورأس كنيستها القادم دستورياً يعرف عن جوهر الإسلام أكثر مما يعرفه الكثير من المسلمين وينصف الإسلام أعظم من بعض العلمانيين العرب الذين ينظرون للإسلام بعين عوراء أو يقرأون الإسلام من نعله وليس من رأسه.
ومنها قول الأمير وقتها: «جهودنا فى العالم الصناعى اليوم لا تنبثق حتماً من حبنا للبحث عن الحكمة، ولكنها تتركز فى الرغبة للحصول على أكبر عائد مادى، وهذه الحقيقة تتجاهل تعاليم روحية مثل تعاليم الإسلام الذى يؤكد أن الجانب الحيوانى من حاجتنا كبشر لا يشكل حقيقة ما نحن عليه، ومما أعرفه عن القرآن أنه يصف مراراً وتكراراً العالم الطبيعى بأنه صناعة أنتجتها قوة توحيدية راعية، والقرآن يقدم رؤية تكاملية للكون تشمل الدين والعلم والعقل والمادة جميعاً».
إن هذه الحقيقة البسيطة يشكك فيها بعض مفكرى العرب المسلمين الذين أغرقوا فى العلمانية أو أغرقتهم الشهوات والشبهات وأعمتهم عن حقائق القرآن والإسلام العظمى، إن منطق الحسابات الرقمية الكمية فقط لن يساعد حقاً فى فهم العالم، ولغة العلم رغم جودتها لا تقدر وحدها على فهم تجارب «الإيمان» أو التعامل مع قضايا الروح.
وأضاف الملك تشارلز وقتها فى هذه المحاضرة القيمة: «تأمل ما أحدثه هذا التصور من فارق خلال القرنين التاسع والعاشر الميلاديين خلال ما يسمى بالعصر الذهبى للإسلام، الذى شهد نمواً رائعاً للتقدم العلمى، لكن كل هذا التقدم كان مبنياً على فهم فلسفى للواقع، راسخ فى روحانيته، ويحتوى على احترام كامل لحرمة الطبيعة والأرض، ويمثل رؤية متكاملة للعالم تعكس الحقيقة اللا نهائية بأن الحياة بأسرها متجذرة فى وحدانية الخالق، هذه هى شهادة الإيمان أليست كذلك؟ إنها شهادة كامنة فى المعطيات القائمة على التأمل فى القرآن، إنه مفهوم التوحيد أو وحدة جميع الأشياء ضمن رعاية توفرها وحدة الخالق».
والغريب يومها أن الأمير تشارلز استخدم كلمتى «الحقيقة» و«التوحيد» بلفظيهما العربى أثناء محاضرته الرائعة، وضرب مثلاً عن أن هذه الرؤية عبرت عن نفسها لدى المفكرين المسلمين مثل ابن خلدون، الذى كان يعلم بأن كل المخلوقات توحد وفق نظام مرتب ومنضبط تكون الأسباب فيه موصولة دائماً بالنتائج.
ثم أردف وقتها منصفاً العالم العربى والإسلامى: «إن العالم الإسلامى يحوى واحدة من أعظم كنوز الحكمة المتراكمة والمعرفة الروحية الموجودة لدى البشرية وهى تشكل فى نفس الوقت تراث الإسلام النبيل وهدية لا تقدر بثمن لباقى البشرية، ورغم هذا يتم استصغار تلك الحكمة الآن بسبب التوجه السائد لتبنى المادية الغربية، أى الشعور بأنه لكى تكون عصرياً وحداثياً فإن عليك أن تقلد الغرب».
ويبدأ «تشارلز» دوماً كلمته فى بلاد العرب بـ«السلام عليكم» بالعربية، يحب نهر النيل حباً جماً، ويعشق الأزهر وإمامه، ويعرف قدره ومكانته.
ومن أكثر من يعرف الملك تشارلز عن قرب من السياسيين السياسى المخضرم والعبقرى د. مصطفى الفقى، الذى رافقه مرات، خاصة أثناء زيارته لمكتبة الإسكندرية.
تحية للملك المنصف الحكيم تشارلز، ونرجو أن يكون جلوسه على سدة الحكم له الأثر الأكبر فى الاعتدال والحكمة والإنصاف العالمى عامة والبريطانى خاصة.