عاطف عبد الغنى يكتب: من وحى قصة بائعة التذاكر ذات العينين الزرقاوين

صديقى المخرج التليفزيونى الكبير، والناشط المبدع على وسائل التواصل، خالد سالم، نشر فى جروب “القوى الناعمة المصرية”، الحكاية التالية التى أنقلها لكم دون أى تغيير عليها:
دخل مهندس جزائري إلى محطة مترو في ستوكهولم (عاصمة السويد)، هناك لاحظ أن من بين العديد من الممرات، هناك ممر واحد يسمح بالمرور المجاني.

توجه هذا الجزائري إلى بائعة التذاكر وسألها عن سبب وجود الممر المجاني و دون وجود أي حراسة عليه.

أوضحت له السيدة أن هذا الممر مخصص للأشخاص الذين لأي سبب من الأسباب، لم يكن لديهم المال لدفع ثمن تذكرتهم.

فأضاف يسأل هذا المهندس الجزائري، سؤال كان كان بديهي بالنسبة له:

ماذا لو كان الشخص لديه نقود ويستغل هذا الممر لكي لا يدفع ثمن التذكرة؟
!.
نظرت البائعة إلى الأسفل بعينها الزرقاوين وبابتسامة صافية مستغربة من السؤال، ثم أجابت:
لكن لماذا يفعل أي شخص ذلك (تقصد لديه المال ولا يدفع)؟
!.
ودون أن يتمكن من الإجابة، دفع المهندس ثمن تذكرته وذهب إلى المصنع دون أن يحصل على الإجابة من بائعة التذاكر، تبعه حشد دفع ثمن تذاكرهم أيضًا.
وبقي الممر الحر فارغًا دون أن يستغله أي شخص.

إن المجتمع الذي نجح في تحويل هذه القيم إلى شيء بديهي هو بلا شك تجاوز كل مرحلات التطور الفكري، الصناعي، الإجتماعي، الإقتصادي….
السؤال الأهم كيف وصلت هذه الشعوب لهذا القدر من الأمانة والرقي؟!” (انتهى الاقتباس).
وقصة صديقى الجميلة ذكرتنى على الفور بما رأيته بأم عينى خلال زيارة قمت بها إلى باريس قبل ما يزيد على 20 عاما، وفى محطات مترو باريس الشهير، رأيت الشبان العرب يتفننون فى المرور من بوابات محطات المترو، دون دفع تذكرة، مرة بالقفز من فوقها، ومرة بتعطيل عمل بوابة المرور التى تسمح بالكاد لمرور فرد، بالإبقاء عليها مفتوحة عن طريق استغلال الكلاب التى يصطحبونها، حيث يتم فتح البوابة بتذكرة واحدة ويدفع شخص بكلب يصطحبه ليجلس على الدواسة التى يضع الراكب قدمه عليها ليمر ثم يغلق الباب أتوماتيكا خلفه بمجرد أن يرفع قدمه ويمر، أما الكلب فيظل جالسا على موضع ضغط القدم، ويمر بالقفز فوق جسده عدد من الأشخاص، إلى أن ينتهى مرور كل من يريد ثم ينهض الكلب ويمر فتغلق البوابة أتوماتيكيا.
رأيت أيضا عدد من الفرنسيين يقلدون الشباب العربى، فى هذه السلوكيات، فأدركت أن الأخلاق السيئة تنتقل مثل الأمراض بالعدوى.
ولم يكن ما سبق هو الأمر الوحيد الذى أحزننى على حال العرب، والمصريين، فى هذا البلد، وعلى سبيل المثال وليس الحصر امتهان بعض العرب لأحط المهن “قباضيات فى شارع الجنس” حيث يتحكم فى المهنة، ويوظف هؤلاء الـ “قباضيات” عنصر أخر معروف على مدار التاريخ بأنه هو الذى يعمل على تدمير الأخلاق الإنسانية بنشر أقذر مهنة عرفتها البشرية، وهى الدعارة، والتاجرة فى المال “الربا”، وكان قبل أقل قرن من الزمان صورة هذا العنصر الاختزالية “الاستريوتايب” المشهور بها فى الغرب هى صورة المرابى (تاجر البندقية فى قصة وليم شكسبير الشهيرة) والقواد، وقاتل الأطفال ليصنع من دمائهم الفطير المقدس، ومشهور عنه أيضا أنه لا يتورع عن ارتكاب كل الموبقات لأجل تحقيق مصالحه المادية.
هذا ما اخبرنا به التاريخ ولا تعرفه الأجيال الجديدة التى ترى الآن هذا العنصر فى سينما هوليوود هو الذى ينقذ كوكب الأرض من الدمار (فيلم يوم الاستقلال) أو يتعاطف معه إلى أقصى حد باعتباره الضحية الوحيدة على طول التاريخ وعرضه، وعلى هذا الأساس يحق له أن يبتز جلاديه صباح كل طلعة شمس، يبتز أموالهم وعواطفهم (فيلم قائمة شندلر)، وأمثلة كثيرة بالتأكيد يعرفه صديقى خالد سالم لأنه مخرج سينمائى أيضا.
وأرانى شطحت بعيدا عن قصة صديقى التى أوردتها فى البداية، لكننى انهى سريعا بأمنيات لا تقل عن أمنياته التى فهمتها من قصته، فأقول يا ليتنا ندرك الكنز الأخلاقى الذى نمتلكه من خلال إيماننا برسالات السماء، وهدى رسولنا الكريم الذى اقترب مولده، الذى نحتفل به بأكل الحلاوة، وقد وصلت أسعار العلبة المعقولة التى يمكن أن يهديها شاب عامل فى مقتبل عمره إلى خطيبته، ما يوازى راتبه وشقاه فى شهر أو نصف شهر على الأقل.

وهكذا نختزل الاحتفال بذكرى سيد الخلق، فى الحلوى، والورع الكاذب الذى نمارسه على وسائل التواصل.. هل ترانى شطحت مرة أخرى؟!

اقرأ ايضا للكاتب:

زر الذهاب إلى الأعلى