سماح عطية تكتب: «متلازمة القلب المكسور»

قرأت منذ فترة على صفحات الفيسبوك قصة قد تبدو عادية ولكن بها من العمق والحقيقة والخذلان والصدمة ما يؤلم القلب ويدمع العين.

تقول صاحبة القصة :”أهل جايبين بنتهم المستشفي مغمى عليها من البكاء نتيجة انهيار عصبي، فهمنا من الأم أنه حصل زعل بينها وبين زوجها، والزوجة اتعصّبت جامد وبدأت تتشنج لحد ما وصلت للمرحلة دي”.

الغريب إن ملامح الزوج كانت باردة، شكله مكانش متأثر نهائي، ولا فارق معاه، وجاي معاهم غصب عنه تقريبًا، واقف برة المستشفى، كل اللي فارق معاه إنه عايز الموضوع يخلص ويروّحوا.

شباك الأوضة بتاعتي فاتح على الجهة الأمامية للمستشفى، فكنت شايف الموقف من أول وصولهم.. فضلت شوية متابع الزوج غصب عني لحد ما جاتله مكالمة وفضل يزعق ويقول: “هيّ كل يومين تعمل نفس الموضوع ونجيبها المستشفي؟!!”..

المكالمة كانت طويلة وكلها قسوة، لفت نظري جملة قالها في وسط المكالمة: “لا… مش هدخل لها، أمها معاها جوة هبقي أراضيها بكلمتين لما تخرج ونروّح”.

فاتت ساعة وأنا كل شوية أخلص حاجة وعيني تقع تاني على ملامح الزوج اللي مش باين عليه أي حاجة غير الجحود…لحدّ ما جت اللحظة اللي الأمن نادى فيها على اسمها.. وقام الراجل بامتعاض شديد يردّ، وعرفت إن ده اسم زوجته.. وقاله رجل أمن المستشفى كلمتين: “البقاء لله زوجتك توفيت وتعالى عشان والدتها مغمي عليها جوه ! ”
كانت الكلمة كافية إن الزوج يقع على الأرض في لحظتها واتحوّل الجحود على وجهه لبكاء شديد، وصراخ وهستيريا طفل مش راجل كبير!!
كان عمّال يردد: “خلاص والله قولولها ترجع، وأنا مش هزعلها تاني، مش هضايقها مش همدّ إيدي عليها خلاص أنا غلطان والله، أنا كنت فاكرها بتكدب لما كانت بتقول قلبي بيوجعني”.

وتستطرد كاتبة القصة على”الفيس بوك” قائلة: “الزوجة توفيت نتيجة الإصابة بمتلازمة القلب المكسور،
واللي أحد أهم أسبابها فعلاً الشعور بالحزن المستمر والضيق والضغط العصبي”.

كل الناس من حواليا رايحين ناحية الراجل يطبطبوا عليه ويشيلوه من على الأرض وأنا رغم إشفاقي على حاله وابتلائه لكن كان جوايا كلام كتير عاوز أقوله له…
كان نفسي أقول له شوفت إن الحياة مش دايمًا هتدّيلك فرصة تصلّح اللي خربته؟! شوفت إن قسوتك عليها معملتش حاجة دي خدتها منك خالص! رفضت تدخل تراضيها بكلمتين كان ممكن يكونوا فارقين معها، رغم إن القدر نافذ لكن على الأقل مش هتعيش متحسر من بعدها وحاسس بالذنب.”

وفي سياق متصل قالت كاتبة القصة: “بلاش القسوة وبلاش العند وبلاش تأجّلوا تصليحكم للغلط، الحياة مش على مزاجك وهتسيبك تختار الوقت اللي تصلح فيه غلطك.. الحياة مش دايماً هتديلك الفرصة اللي أنت عايزها!.. في ناس بتفتكر أن الزعل والنكد المستمر عادى مش هيفرق.. تسميم البدن المستمر وكسر النفس والضغط العصبى المستمر عادى.. بيتخيلوا أن اللى قدامهم “جبلّة” أو مبيحسش.. بيضغطوه وهما فاكرين انه هيفضل يتضغط ويعيش حياة سعيدة.. لأ حضرتك هو يا هيعيش حياة تعيسة.. يا هينفجر.. يا هيموت أصلاً .. “تمت”

أنا مصدّقة القصة تماماً وأشعر بكل حرف فيها.. حدثت كثيرا وتحدث.. الإنسان الصامت الساكت اللي بيقابل كل حزن وقسوة وخذلان بصمت أو دموع بلا بكاء أو ينسحب ويقفل على نفسه بلا عتاب أو يعتذر لإرضاء الآخرين دون اقتناع هو إنسان مهزوم.. مكسور… منهار.. يحتضر قلبه وتبكي عينه بلا دموع… تنفّسه بطئ مخنوق ويظل على هذا المنوال مرات ومرات.. صدمات تلو صدمات… خذلان تلو خذلان… حتى يتوقف التنفس ويكف القلب عن الخفقان.

ارحموا هؤلاء البشر فهم ليسوا جبلّات … هم يشعرون وتتألم أنفسهم ولكن لا يصرّحون بذلك.. وان لم تجدوا المقدرة على رحمتهم وتضميد جراحهم، فعلى الأقل لا تصنعوا لهم جروحاً جديدة بل ارحموهم بالرحيل عنهم.. وكفى.. وذلك عند الله أقوم.

اقرأ أيضا للكاتبة:

زر الذهاب إلى الأعلى