عاطف عبد الغنى يكتب: مجلس قومي للوعي هل يحل المعضلة؟!

التأسيس لخطاب إعلامى مقنع يبدأ بالمكاشفة الكاملة بالحقائق.. لحظة من فضلك، حتى لا يفقد كلامنا الدقة والموضوعية., هل أقصد أن المسئولين فى الدولة يخفون عن الشعب الحقائق؟!..
الإجابة: يخفون بعض ما يتعلق بالأمن القومى، وما يمكن أن يفسد عمل الدولة والحكومة فى الداخل، والخارج، وقد يكون لديهم بعض الحق فى أن خبرا صغير من جملة أو جملتين، أو تقريرا، مكتوبا أو مصورا، يمكن أن يفسد جهدا كبيرا تبذله القيادة أو الحكومة، أو يفسد علاقة الدولة بأخرى صديقة، لكننى ألاحظ أن هناك حساسية مفرطة فى تقدير هذه الأمور، وهو ما يسمح لبعض الفاسدين أن ينتهزوا غياب بعض الحقائق ليواصلوا إفسادهم عبر الكذب المرتب، والمثل يقول: “كذب مرتب أحسن من صدق منعكش”، وإعلامنا يمارس هذا النوع من الصدق للأسف، وخاصة فيما يخص دعمه للدولة والحكومة.
نحن إذا وضعنا أيدينا على آفتين، الحساسية المفرطة نحو “إحنا مش عايزين نزعل حد” و “الصدق المنعكش” الذى تضيع فيه ثلاثة أرباع الحقيقة.
ولكن يبدو أن المسئولين غير مقتنعين أنهم مسئولون عن جزء من الأزمة، ولذلك ألقوا بالتبعة كاملة على الإعلام، ومن ثم توجهت الحكومة إلى استحداث آلية جديدة تتولى البحث عن حل لمعضلة الإعلام، وأساليب مستحدثة لنشر الوعى.
وتتمثل الآلية الجديدة فى إنشاء “مجلس قومي للوعي” وبالفعل تقدمت الحكومة بمشروع قانون إنشاء هذا المجلس، على أن يكون تحت مظلة رئيس الجمهورية، وقطع المشروع مسافة كبيرة إلى الأمام بعد أن وافقت لجان البرلمان المختلفة من التضامن الاجتماعي والشؤون الدستورية إلى الإعلام والموازنة، على مشروع القانون المؤسس والمنظم للكيان الجديد.
ويرى بعض خبراء الإعلام أن إنشاء مثل هذا المجلس يعنى يأس دوائر حكومية من استعادة وسائل الإعلام لدورها بشكل يجعلها قادرة على تقديم خطاب يتناسب مع حجم التحديات التي تواجهها الحكومة.
واسمحوا لى أن استبدل فى العبارة السابقة لفظ الدولة بالحكومة، فالدولة أشمل وأعم، وتندرج تحت لوائها القيادة السياسية، ولا تبارح ذاكرتى، كلمات للرئيس السيسى يعرب فيها عن أسفه على أداء الإعلام، وغبطته لإعلام الحقبة الناصرية وقوله: “يا بخت عبد الناصر بإعلامه”.
وبالفعل كان إعلام عبد الناصر واع، محدد الهدف، مدرك للتحديات بعمق، وببساطة كبيرة، وحتى مع نقص الأدوات الكثيرة المتاحة الآن، كان الإعلام قادرا على توصيل رسالته، وتوعية الشعب.
.. والوعى والتوعية هى القضية التى لا يخلو – تقريبا – خطاب من خطابات الرئيس السيسي منها، ما يعكس مخاوفه من استمرار الأمية السياسية والاقتصادية والفكرية على الأمن والاستقرار.
والآن ترى الدولة المصرية (ولاحظ أن الإعلام جزء أصيل من مكونات الدولة) أن غياب هذا الوعى يحتاج إلى تحرك فى اتجاه إنشاء هيئة نخبوية، ما يسمى بـ”مجلس قومي للوعي” تعمل على استعادة وسائل الإعلام لدورها بشكل يجعلها قادرة على تقديم خطاب يتناسب مع حجم التحديات التي تواجه الدولة.
ولذلك تطرق مشروع القانون، الذى تمت الموافقة عليه فى لجان البرلمان لإنشاء هذا الكيان، إلى ضرورة الاستعانة بوسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، وإعداد مواد وبرامج إعلامية لازمة للتوعية في كافة المجالات.
ولكن السؤال: هل يمكن لهذا الكيان الجديد أن يؤسس لخطاب إعلامى غير الحاصل، والموجود، ويرفع منسوب الوعى لدى الجماهير؟!
قبل أن أجيب أسأل: وأين المجلس القومى لمواجهة الإرهاب والتطرف؟! والذى تم إنشاؤه قبل 5 سنوات بهدف حشد الطاقات المؤسسية والمجتمعية للحد من مسببات الإرهاب ومعالجة آثاره، أتراه فعل ذلك؟!.. وأمثلة أخرى كثيرة.
يبقى ملحوظة أخيرة، وهى إقرارنا بأن وسائل الإعلام الحالية على كثرتها، تعانى من عدم التنسيق فيما بينها، كما تعانى من التخبط في الأولويات، وتعانى من غياب الروح المبدعة، وأغلبها ينقل عن بيانات رسمية جافة من دون شرح عميق للمحتوى أو تحليل للمشهد، ومن هنا ينصرف المشاهد عن البضاعة الإعلامية التى تقدم له، باحثا عن اللهو والتسلية، وتضيع الرسالة فى الزحام.. زحام وسائل الإعلام بالغث دون السمين (وفى مقابل الغث السمين أصح من الثمين) والتنبيه للمتفيقهين، وما أكثرهم الآن منتشرين فى كل وسائل الإعلام، الصلبة، قبل المرنة، والمقرؤة، قبل المسموعة، والمرئية، الرقمية، والفضائية، والأرضية، وهم أيضا جزء أصيل فى الفساد، وإفساد الإعلام، وتضييع الوعى.

اقرأ أيضا للكاتب:

زر الذهاب إلى الأعلى