نزار غانم يكتب عن المنجز الفلسفي لقاسم المحبشي

خواطر في المنجر الفلسفي للمفكر د. قاسم المحبشي في كتابه الجديد (فيما يشبه الانتظار… قضايا و أفكار)
جزى الله الصديق قاسم عبد المحبشي كل الخير أن أهداني من القاهرة لأم درمان آخر إصداراته كتابا اسماه (فيما يشبه الانتظار) فعشت بين دفتيه استمتع بمنجزه الفلسفي و لغته الصافية و مقارباته المتفردة التي تسهل على غير المختص مثلي تفهم سلسة المحاججات المتوالية التي تنداح في الصفحات.

و الدكتور المحبشي تأهل كباحث فلسفي بين عدن و دمشق و بغداد وزار غيرها الكثير و سار كل الأشواط في التدرج الأكاديمي و هو الآن ا. د. في الفلسفة، وفلسفة التاريخ في جامعة عدن حيث كانت اطروحته للدكتوراه حول نظرية التحدي و الاستجابة عند المفكر العالمي توينبي، وسبق أن أهداني إياها كما أنه يكتب الشعر الفصيح و الشعبي.

لكنه حاليا يقضي في القاهرة أم الدنيا وعبقرية المكان وذاكرة الزمان فترة من التفرغ الأكاديمي الذي يحرص عليه بانتظام لتطوير أدواته في مجاله الواسع والذي يعرف بأبو العلوم جميعا للاعتقاد المعروف بأنه من الفلسفة تفرعت كافة المعارف عند الحكماء .

اقرأ أيضا:

وفي القاهرة البديعة أصبح رقما ثابتا في مناشطها الثقافية و الأكاديمية، ووجد هناك ما اسماه بالوكيل الأدبي للمبدع هي صدرت له حتى الآن ثلاثة كتب من دور نشرها التي تساند الإنتاج الفكري، وتخلق معه شراكة ناجحة.

والدكتور المحبشي حاليا سفير للثقافة اليمنية بمصر مرسلا ومتلقيا وخالقا للقوة الناعمة والدبلوماسية الشعبية بين وطنين يجمعها الكثير في الماضي والحاضر والمستقبل.

والحصاد الأهم لمن يقرأ هذا الكتاب الممتع هو أنه يصل لقناعة مفادها أنه ما زال العالم المتحضر والنامي على السواء بحاجة للفلسفة في كل منحنياتها المعاصرة، وكل تفرعاتها وأظنها المنطق والأخلاق والاستطيقا وهي التي تدرس على التوالي قيم الحق والخير والجمال.

وفي قطر كاليمن الذي انتمي أنا والدكتور المحبشي له تسود توجهات في المؤسسات الأكاديمية لإلغاء بعض التخصصات في الإنسانيات مثل الفلسفة، ومؤخرا التاريخ، وربما جاء الدور على غيرهما.

وهذه السياسات تحاول أن تجد لها مبررا في اقتصاد السوق لأنها تنظر الى الجامعات كشركات للربح وهي في هذا لا تقتفي أبدا العالم المتحضر الذي تضمن ميزانياته الحصة الكبرى من موارد الجامعات ومؤسسات التعليم عموما وتستثمر في الإنسان.

وعبر مقالات الكتاب يتصدى الدكتور المحبشي لتبسيط المعارف الفلسفية مشيرا إلى عدد من الإحالات للراغبين في المزيد من الاستقصاء وينجح في مقاربة قضايا العصر الحالية كافة وهي بالفعل معضلات عويصة تهم الجنس البشري برمته من خلال منصور فلسفي ناقد ويقدم نموذجا لاستخدام العملاق الصيني الناهض للدراسات الفلسفية العليا بين أكاديمية لغرض زيادة السيطرة التجارية الصينية في العالم.

فإذا كانت الصين البرجماتية قد وجدت هذا الأفق عبر الفلسفة فهو دليل على أن طريقة تعليم الفلسفة في عالمنا العربي ينبغي أن تشهد ثورة وعقلية ناقدة، إذا كنا نريد أن نربط بين الدراسة الفلسفية من ناحية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والنهضة و الرفاه من ناحية أخرى.

إنني منبهر بقدرات الدكتور المحبشي في تبسيط العلوم الفلسفية ومقارنتها بالفلسفية التجريبية الإمبريقية للعلوم الطبيعية بما يجعله أحد دعاة و مبلوري مفهوم الثقافة الثالثة، ذلك المفهوم الأشمل الذي يدعو إلى استئناس العلوم الطبيعية و الاجتماعية والإنسانيات ببعضها البعض، وتكاملها اقترابا من الحقيقة التي كثيرا ما يكون لها أكثر من تمظهر تخصصي يفوت على من يقيد نفسه بمقاربة يتيمة.

كما أنني معجب بكفاح الدكتور المحبشي في الحياة كمربي و أكاديمي محب لمهنته ورسالته و قبل هذا وبعد هذا كفلسفي يسد بأسلوبه العملي في الطرح الفلسفي الفجوة التي تحدث عنها ماركس حينما أخذ على الفلاسفة والمفكرين قبله اهتمامهم بشرح التاريخ على حساب تغيير التاريخ الذي ادعى انه يشتغل عليه على غير ما يفعلونه.

والدكتور المحبشي بتخصصه الدقيق في فلسفة التاريخ يقدم مشروعه في هذا الاتجاه، وهكذا فليكن المثقف العضوي المستنير.

وهكذا فليكن التفرغ الأكاديمي النموذج فهنيئا يا جامعة عدن و هنيئا يا مصر.

ملحوظتان:
– عبارة (فيما يشبه) لازمة يستخدمها د. المحبشي في مجمل كتاباته و أضحت جزءا من أسلوبه و هو في إهداء هذا الكتاب يوضح ما يعنيه بالانتظار ….
– صدر الكتاب بمقدمة بانورامية للعالم المصري إبراهيم موسى النحاس عن دار الشواهين بالقاهرة عام 2021م في 235 صحة من القطع الكبير
أم درمان نوفمبر 2021م

زر الذهاب إلى الأعلى