حكاية لورين المكسيكية.. قدرة فولاذية وعبرة حياتية

سردية تكتبها: أسماء خليل

في الحين الذي يبيت فيه شخص متألمًا لجُرح في إصبعه، أو فقدان بعض أمواله، أو انتقال صديق له من بلدة لأخرى لتتباعد بينهما المسافات، وفي الحين الذي يندُبُ فيه البعض حظوظهم لعدم حصولهم على الوظيفة التي يتمنونها أو اجتياز أبنائهم الاختبارات الدراسية بتفوق، وكل هؤلاء مشتركون في الحسرة والندم والشعور بصعوبة بل ربما استحالة تخطي ألآمهم؛ تجد البعض الآخر قد انتابهُ حدثٌ أقل ما يوصف به أنه مُفجع، ورغم ذلك هم أقوياء، وتتباين ردود أفعالهم مع الفريق الأول؛ إذ أنهم صامدون مُتماسكون، يحملون في صدورهم قلوبًا تنبض بالأمل في الحياة والغد المُشرق رغم كل شيء،،

قلوب رقيقة

في ولاية “المكسيك” الواقعة بأمريكا الشمالية، تلاقى “كريس” مع رفيقة عمره “لورين”، تلازما في الفرح والألم، عاشا بعد زواجهما حياة هانئة مُستقرة يملؤها الود والمحبة؛ فاعتقدا أن شراع مركبهما ستسير دائما في بحر بلا أمواج، حملت السيدة وأقر لها الطبيب بأن داخل رحمها توأم ثلاثي، بنتين وولد، كم كانت سعادتهما هي وزوجها وباتت الفرحة تتواصل في حياتها وتُتوج بهؤلاء الأبناء،،“كايل”.. “إيما”.. “كيتي”

إنهم الأبناء الثلاث الذين وضعتهم الأم، لتزدان الدنيا بأشباه لأقمار على الأرض، باتوا يكبرون يومًا بعد يوم، تحيطهم رعاية أبيهم وأمهم اللذان كانا يعدونهم عيدًا لهما في كل يوم، يلازمونهم بالمنزل والشارع والمتنزهات، وكان من حولهم يباركون تلك الزيجة المُثمرة والحياة السعيدة، إلى أن أوشك الأبناء على إتمام عِقدهم الأول؛ حتى حدث مالم يتوقعونه أو يتمنونه..

غيبوبة وكابوس

في طريق الأم بأحد شوارع المكسيك بسيارتها، مصطحبة أبنائها الثلاث، سعيدة بوجودهم داخل السيارة وقلبها وحياتها؛ إذ اصدم بالسيارة من الخلف سائق “سكران” لشاحنة نقل بضائع؛ انتقل الجميع على إثر تلك الحادثة للمستشفى، وقد فارق الأبناء الثلاثة حياة أبويهما، بينما الأم غاصت بغيبوبة، وصفتها فيما بعد بالكابوس، استفاقت بمرور عدة أيام، مصطدمة بالواقع المؤلم بعدم وجود أبنائها جميعهم، لم تكن تتوقع أنها لن تسمع أصوات أبنائها تدب بالمنزل مرة أخرى وهم يلعبون ويذاكرون ويتسامرون، وبات كل شيء حولها هي والأب المكلوم تذكرهما بفلزات قلوبهما،،


التجأت لورين للقضاء؛ ولكنها لم تحصل على أي تعويض محسوس أو ملموس، فباتت تبكي ولكن قليلا..

قُدرة فولاذية

أدرك كل من كريس ولورين أنهما ما يزالان على قيد الحياة، وأنها ستستمر حتى وإن توقفا هما، فلابد عليهما من إيقاظ روح العمل والأمل.. بدءا ينظمان حياتها من جديد، وحملت الأم مرة أخرى، وكانت المعجزة، التي لم يختص بها الله – سبحانه وتعالى – إنسان له عرق أو جنس أو أصل أو دين معين، فقد قال الله جل وعلا “ ضرب الله الأمثال للناس”؛ أي للناس أجمعين، إذ لم تقتصر العبرة على قوم بعينهم، لتكون العِظة في أي مكان وزمان.

معجزة إلهية

تحققت المعجزة الإلهية بعام 2001؛ لتلد لورين أشباه أبنائها الثلاث تماما بشكل يدعو للدهشة والعجب، بنتين وولد، وكأن الزمن قد اقتص من حياتها تلك السنوات السابقة، وكأنهما يصوران مشهدَا لفيلم، يقف فيه المخرج قائلا “كلاكيت تاني مرة”، تعجب أهل المدينة من تلك المعجزة.. نفس الشبه في كل شيء.. العيون.. الطول.. لون البشرة والشعر.. السمات العامة والملامح .. وبدأت الحياة من جديد..

“جاك.. آشلي.. إيلين”

تقول الأم إنها لم تكن تتوقع – بأى حال من الأحوال- أن يتشابه أبنائها الجدد مع القدامى لهذا الحد، فالطباع السابقة هي الحالية لكل الأبناء، ونفس ردود أفعالهم تجاه ما يصادفهم من مواقف، نفس ما يحبون ويكرهون، نفس مستواهم الدراسي، واستمرت حياة الأسرة من جديد على ما كانت عليه..

 

تضرب تلك السيدة وزوجها أعظم مثل لتحدي الظروف مهما كانت، ومهما بلغت درجة الفقد، فقد قررت أن تقف من جديد ما دامت الحياة، وإذا كانت أرواح أبنائها قد فاضت إلى السماء، فما زال هناك رب السماء، الذي يدعو البشر لعدم اليأس والإحباط، فالذي رزقهم مرة قادرٌ على أن يرزقهم عدة مرات.

 

زر الذهاب إلى الأعلى