د. ناجح إبراهيم يكتب: محمد والمسيح.. المولد والرسالة
كتب د. ناجح إبراهيم مقالاً بعنوان: “محمد والمسيح..المولد والرسالة” وتم نشره في جريدة الشروق وهذا هو نص المقال:
• ولد عيسى سلام الله عليه بمعجزة إلهية عظيمة حيث حملت به الصديقة العظيمة مريم العذراء دون أب، فكذب أكثر بني إسرائيل المعجزة وصدوا عن رسالته وحاربوه واضطهدوه وحاولوا الفتك به، ولكن أمة محمد التي لم تشهد الحدث عيانا صدقت المعجزة وآمنت بنبوته وبأن مريم العذراء صديقة عظيمة.
• أما محمد فقد كانت ولادته أهم حدث في أمة العرب قاطبة؛ فهو الذي حولها من أمة خاملة ضائعة مستعبدة إلي أمة ذات شأن ورسالة، تسود بقرآنها ورسالتها العالم كله.
فمحمد والمسيح عليهما الصلاة والسلام شقيقان جمعتهما النبوة والرسالة،كلاهما يحب الآخر ويصدقه وهما أقرب الرسل إلي بعضهما البعض، مما حدا بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم أن يهتف للدنيا كلها قائلا فهذا هتاف رسول الله صلى الله عليه وسلم للدنيا كلها: “أنا أولى الناس بعيسى بن مريم في الأولى – أي الدنيا – والآخرة، قالوا: كيف يا رسول الله؟، قال: الأنبياء إخوة لعلات أمهاتهم شتى ودينهم واحد وليس بيننا نبي”.
• والإخوة لعلات هم الأشقاء من أب واحد وأمهات شتى وهذا يعني توحدهم في أصل الرسالة وهي توحيد الله وعبادته وطاعته، وهداية الخلق إلي الحق سبحانه والدعوة إلي مكارم الأخلاق. أما معنى “أمهاتهم شتى” فمعناه “اختلاف شرائعهم التي تناسب أقوامهم وزمانهم والأهواء والأدواء التي انتشرت في عصورهم، فشعيب سلام الله عليه حارب الفساد الاقتصادي والغش في المكيال والميزان، ولوط سلام الله عليه حارب الشذوذ الجنسي، وهود سلام الله عليه حارب طغيان عاد وجبروتهم وتسلطهم وبغيهم.
وعيسى ومحمد عليهما السلام بينهما من المودة والمحبة والتواصل أكثر من أي نبي آخر، لأنهما متعاقبان، فالأشقاء الأقرب سنا ً تكون بينهم من المودة والمحبة أكثر من الشقيقين المتباعدين سنا ًوعمرا ً.
ولذلك كان تعبير الرسول صلي الله عليه وسلم “وليس بيننا نبي” يجعله كأنما تسلم راية النبوة والرسالة والهداية من شقيقه عيسى الذي أرسل إلى بني إسرائيل، لتنتقل الرسالة من بعده إلي أمة العرب، ولتنتقل من فلسطين إلى مكة والمدينة.
إنها إخوة الرسالة والسير في ركب الهداية المتواصل، فمحمد صلي الله عليه وسلم هو أولى الناس بعيسى ليس في الدنيا فحسب، ولكن في الآخرة أيضا ً فكلمة ” أنا أولى الناس بعيسى بن مريم” تحمل في طياتها الكثير من معاني الوصال والقرب والحب والنصرة والحرص، وعلى كل من أطاع الرسول صلي الله عليه وسلم أن يكون له حظ وافر من هذا الحديث وأن يهتف قلبه ولسانه: “نحن أولى الناس بعيسى بن مريم ، وكل الأنبياء أيضاً”.
• لقد تكرر ذكر قصة محمد وعيسى عليهما السلام وتبشير كل واحد منهما بالآخر ، ومدح كل واحد منهما للآخر، وقد أعطى القرآن العظيم للمسلمين وللدنيا كلها صورة ناصعة راقية جذابة ليس عن المسيح فحسب، ولكن عن أسرته كلها وعن جده “آل عمران” بل أفرد سورة باسم أمه ” سورة مريم” وأفرد ثاني أكبر سورة في القرآن عن عائلته وهم “آل عمران”.
• وعندما يقص رسول الله صلي الله عليه وسلم على أمته خبر رحلة المعراج يذكر لقاءه بالأنبياء ومن بينهم عيسى عند البيت المعمور يقول: “بينما أنا أطوف بالبيت رأيت رجلا ً يهادي بين اثنين (أي يمشي بينهما) فقلت: من هذا؟، قالوا: أخوك ابن مريم، وكانت رأسه تقطر ماء وكأنه خرج من ديماس “أي من حمام”، فانظر إلي رد جبريل قائلاً: هذا أخوك ابن مريم.
• فقلوب الأنبياء لا تعرف الأحقاد ولا الإقصاء ولا الحسد والكراهية، وهي تختلف عن قلوبنا أو قلوب معظم السياسيين أو قلوب عباد الجاه والمال والمناصب العمياء.
• فهذا عيسى سلام الله عليه يبشر بشقيقه أحمد أو محمد الذي سيخلفه في الرسالة “وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ “، كما جاء في القرآن أو كما جاء في الإنجيل في الإصحاح العشرين من إنجيل “متى” عن قول المسيح ” أما قرأتم قط في الكتب أن الحجر الذي رذله ” أي تركه” البناءون صار رأسا ً للزاوية من قبل الرب، كان هذا عجيبا ً في أعيننا، من أجل هذا أقول لكم: إن ملكوت الرب سينزع ويعطي لأمة أخرى تصنع ثمرته”.
• وحجر الزاوية المتمم للبناء في حديث المسيح هو محمد؛ موضع اللبنة المتممة للبيت الذي أقامه الأنبياء السابقون، وهذا مطابق تماما ً لحديث الرسول صلي الله عليه وسلم الذي أعطى لكل نبي حقه وجعل كل واحد منهم حلقة في سلسة الهداية والرشاد” مثلي ومثل الأنبياء ومن قبلي كمثل رجل بني بيتا ً فحسنه وجمله إلا موضع لبنة في زاوية من زواياه ، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له، ويقولون : هلا وضعت هذه اللبنة ؟!، قال : فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين “.
• وبعيسى ختم الله الأنبياء الذين أرسلهم لبني إسرائيل، وبمحمد انتقلت النبوة من بني إسرائيل لأمة العرب ولكن محمدا ً أرسل للناس كافة ليكتمل به صرح النبوة العظيم
• إن كل نبي يبشر بالآخر ويقدمه للدنيا سعيدا ً ومسرورا ً بمن سيكمل الرسالة ويحمل علم الهداية من بعده.
• إنه لدرس عظيم بين الذين يريدون أن يفرقوا بين الله ورسله من جهة، وبين أنبياء الله بعضهم بعضا من جهة أخرى، ولا يتشابه ويتقارب محمد وعيسى عليهما السلام ان في الإخوة والنبوة وحسب بل يتشابهان أيضا ً في مفردات الرسالة الأخلاقية التي بعثا بها.
فكلاهما تعرض للاضطهاد من قومه، وكلاهما هاجر في سبيل الله، الأول إلي المدينة، والثاني هاجر مع أمه إلي مصر.
وكلاهما تحمل الأذى من قومه بدون أن يدعو عليهم، فالمسيح لم يدع على أحد أبدا ً، ومحمد كان يؤذى من قومه ويضرب، فيقول “اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون”.
وكلاهما كان متواضعا ًهاضما لذاته،فالمسيح يقول: “من قال إني صالح، فليس أحد صالح سوى الله”، و ليس هذا ببعيد عن قول الرسول محمد (صلي الله عليه وسلم) لمن خاف منه “هون عليك يا أخي، فإنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد – طعام بسيط من طعام الفقراء؟؟؟؟- في مكة”.
• وقد أدرك برنارد شو هذا الاتفاق حين قال:” أقرب رسالتين لبعضهما هي رسالة محمد والمسيح”، فسلاما ً عليهما في المرسلين وفي الجنان وفي كل حين .