الرفيق ثم الطريق

                                                                                                       المحررة: أسماء خليل

“.. الرفيق ثم الطريق .. لكن من منا يجزم قبل الزواج أنه ضامن للسعادة، وآمن لما يحمله الغيب، مع رفيق الرحلة، وما ستكشف عنه الأيام من خطوب، أو يعلم ما سيعترى روحينا ونفسينا من تغيرات” .

وأعتقد أن ما سبق هو مقدمة مناسبة لرسالة (س. و) الزوجة التى أنهكتها ضغوط الحياة وقرََرَتْ أن تحكي ما بداخلها بعد صبرها الذي نفذ، وفى التالي أوجاعها التى حكتها لي فى رسالتها عبر البريد الإليكتروني.

  س. و

” كتمتُ مشاعري وهمومي كثيرًا حتى أوشكتُ على الانهيار؛ فأنا “س. و” زوجة قد أتممتُ ثلاثة عقود من سِنِي عمري، تلك الأعوام هي عمري بالأوراق، ولكني أشعر أنني أمضيت على هذه الأرض سبعة عقود.

لديَّ ابنة ذات خمس سنوات، أعيش بأحد مدن الوجه البحري، حاصلة على بكالوريوس تجارة وأعمل محاسبة بأحد المؤسسات الحكومية.

وعن نشأتي فأبي لديه أرض زراعية قائم عليها تجعله ميسور الحال لا يتكفف الناس، وأمي ربة منزل سيدة مثل كثيرات من الأمهات اللاتي تُجدن التربية وأعمال المنزل ورعاية الزوج، ولي أربع أخوة ولدان وبنتان، منهم من يكبرني ومن يصغرني.. كم كانت حياتي تملؤها السعادة وسط أسرتي حينما كنتُ فتاة صغيرة لم أتزوج بعد!..

بدأتْ مأساتي منذ تسع سنوات، حينما تخرجتُ من الجامعة بتقدير امتياز، والتحقتُ بالعمل في أحد المؤسسات الحكومية بنظام العقد المؤقت، إلى أن أثبت جدارتي وحُسن سلوكي وتم تعييني بشكل دائم.

منذ أول يوم لي بالعمل تعرفتُ على شاب مصادفةً، كم كان لطيفًا!.. وحينها كنت لا أعرف الطريق لمكتب المدير فسألته وذهبتُ برفقته، وكانت المفاجأة إذ أنه هو الآخر له نفس طريقي في تسلم العمل أول يوم مثلي.

كان ذو نظرة ممتلئة بالطيبة، اختلطتْ مشاعري في ذلك اليوم ما هو مَرَد سعادتي هل تَسَلُّم العمل أم مقابلتي لذلك الفتى؟!.

.. انصرفتُ يومها وحاولت ألا أعير الأمر اهتماما؛ إلى أن ارتسم الطريق قَدَرًا بوجوده معي بنفس المكتب، وبدأ يحدثني ويتقرب مني، ثم قال لي أريد أن أتقدم لخطبتكِ، لا أعلم لماذا فرحتُ كل تلك الفرحة، فقد تبدَّى أمامي وكأنه “كامل الأوصاف” ، كان وسيمًا طيبًا ذا خلق وأصل مثقفَا، من عائلة طيبة المنبت، زارنا هو وأبواه.. حدَّثَ أبيه أبي بكل وضوح عن نفسهِ قائلا إنه ميسور الحال فهو تاجر، ولكن لديه سبعة أبناء، لذلك فلن يستطيع أن يساهم في تلك الزيجة وعلى ابنه أن يعتمد على نفسه؛ وككثير من الآباء الطيبين، قال أبي الجملة الشهيرة : “احنا بنشتري راجل”.

وبالفعل تمت خطبتنا، وبعد مرور عام قام خطيبي باستئجار شقة، وأخبر أبي أنه أحضر الجهاز بالتقسيط، وعلينا أن نتزوج.

عوَّل أبي مستقبلنا على عملنا أنا وهو ومرتبنا الذي سَنقتاتُ منه ونعيش حياة سعيدة فوافق، وكانت المفاجأة حين كتب الكتاب ليخرج خطيبي بطاقته ويرى أبي بخانة المهنة حاصل على ثانوية عامة، استوقف أبي الأمر فشرح الشاب وأبوه لأبي أنه بالسنة الرابعة في كلية التجارة ولكن هناك ظروفَا جعلته لم يتخرج وسيدخل الامتحان هذا العام، وبسبب معارف أبيه وعلاقاته حصل لابنه على عقد العمل بالثانوية العامة، على أن يتم التثبيت بعد تخرجه من الجامعة.

اقرأ أيضا:

اختلى بي أبي موجها لي اللوم لأنني أخبرته أنه حاصل على بكالوريوس تجارة، أجبت أبي في ذهول إنه لا يمكن الالتحاق بتلك الوظائف إلا للحاصلين علي الشهادة الجامعية، وأجزمتُ أنني لم أكن أعلم ذلك الأمر، وبعد تفكير بينما يتعجلنا المأذون، قال أبي لا بأس طالما أنه سيدخل الامتحان وهو بالفرقة الرابعة، وليس من الحكمة أن نؤجل الزفاف وقد تم فرش الشقة والحضور في كل مكان، ستصبح فضيحة.

مر اليوم وسط الزغاريد ومراسم العرس المبهجة بعد أن اشترط أبي على خطيبي أن يتم كتب الكتاب ولكن يعطيه موثقا من الله أن يدخل الامتحان فوافق وتمت الزيجة.

وبعد ذوبان العسل في شهره الأول اصطدمتُ بالواقع؛ إذ اتضح لي أن الشاب اليافع يؤجل السنة الرابعة من الجامعة لعلَّة؛ وهي عدم الالتحاق بالجيش، ولأنه يكبرني بعامين أعتقدت أنه قد أدى سنة الخدمة العسكرية، والأدهى من ذلك أنه ينتوي تأجيل الحصول على شهادته حتى سن الثلاثين لتسقط عنه الخدمة العسكرية.

كانت مصيبتي كبيرة لمخالفته أول موثقٍ تعاهده أمام الله مع أبي، وتوالت التحديات، ليُكَلِفُنَا المدير بالعمل للسفر لمدة أسبوع بمحافظة البحر الأحمر، لمشروع ستقوم به المؤسسة وسيكون العمل به مشقة؛ ليرفض زوجي العزيز في كِبر وتعنُت بحجة أن الجو شديد البرودة وأن موقع العمل ليس آدميًّا، ليتضح أن هذا كان اختبارًا من المدير ليثبت مدى استحقاق من سيقوم بتثبيتهم الوظيفي.

وبالفعل تم تثبيتي، وزادت المشاحانات بين زوجي والمدير انتهت بفسخ عقده، كنتُ في تلك الأثناء قد حملتُ بابنتي، ووصل راتبي خمسة آلاف جنيها، وزوجي لا يريد الالتحاق بأى عمل، ربما في مرة يقيس أرضا أو يحسب حسبة لأحد الأهالي فيتقاضى مائة جنيها، أو مبلغ قريب من هذا لا أكثر.

ظللتُ أدور بساقية الحياة لثماني سنوات مرورًا بتسديدي أقساط الجهاز، ودفع إيجار الشقة وتوفير المأكل والملبس، تحدثتُ معه مرارا وتكرارا مع الإلحاح أن يعمل بأي مكان، وخاصةً بعد أن سقطت عنه مدة الخدمة العسكرية، ولكنه استعذب تلك الحياة.

وعلي الجانب الآخر، حينما أمرض يبكي من أجلي، دائما يؤكد لي أنه يحبنى، ولكني أسير بالحياة وقد أنهكتني الضغوط، وتتملكني غُصة في قلبي، شعور لا أستطيع وصفه، أدناهُ إحساسي بأنني لم أعد أنثى.

أنا الآن في بيت أهلي ولا أعلم لماذا لم أعد أحتمل ما كنتُ أحتمله قديما وانتويتُ الطلاق.

بحق الله.. ماذا أفعل سيدتي؟!… هل لكم من إرشادي ؟! “.

عزيزتي (س. و) كان الله بالعون..

لا يوجد سوي الحب هو الذي يهيئ للعين كمال الأوصاف؛ إذ أنه لم يكتمل سوى بعض الأصفياء من الخلق، ويقوم ذلك العشق بوضع غشاوة على العين، وبعد زوالها يهبط المرء ارتطامًا بأرض الواقع..

لقد تزيَّنَ لكِ الشاب بطيبتهِ وهيئته ووسامته كأنه ملاك، وغطى نورهُ على كل عيوبه، كما أن فترة الخطوبة التي قام المجتمع بالسماح بها بعدما انتشرت الرذائل بالحياة؛ ليدرس الناس أخلاق بعضهم، ويكونوا على بينة من أمرهم، يتم قضاؤها في المتنزهات والغوص في بحور شعر المتنبي وامرؤ القيس، ولو كنتما تتحدثان في أمور غير الأحلام لسألتيه -علي سبيل المثال- عن تقدير الجامعة وماذا فعل بيوم تخرجه وماذا كان شعوره وقتما تخرج من الجامعة، وما هي أجواء الخدمة العسكرية وما إحساسه حين أنهى مدته، وحوارات من هذا القبيل،،

وقد كان بإمكانك بكل سهولة معرفة أنه شخص كسول غير طموح لا يتحمل المسؤولية، ولكن نحن أمام أمر واقع.. بدايةً لابد ألا تُعوِّلي على أبويه ما هو فيه، فكثير من الناس يربون أولادهم بالحب وليسوا علماء نفس؛ إذ أنه لا شك كان ابنًا مُدللًا، أو العكس كانت عليه سلطة أبوية قهرية أضعفت شخصيته،،

الأهم الآن هو حياتكِ، أنصحكِ عزيزتي ألا تهدميها رغم كل شيء، فما أسهل الطلاق!.. ولكن المعيشة مع رجل ظالم خيرٌ من الوحدة بالحياة وأن تكوني مطمعًا، والبديل أن تتزوجي رجلا ميسور الحال لديه أربعة أبناء ربما في مثل سنكِ!.. وربما تقابلين من تتوسمين فيه الخير، ولكنه لن يكون – بأية حال- كامل الأوصاف،،

قومي أنتِ بتشكيل تلك الأوصاف في زوجكِ من جديد لا تيأسي، فمن المؤكد أنه الآن لا يحتمل الحياة بدونكِ لأنه اعتاد أن يرعاه أحد كما كان يرعاه أبواهُ، فهو حتى الآن لم ينفصل فكريا عن كونه شابا صغيرا بلا مسؤولية، وفي تلك الفترة التي تقضينها ببيت والديكِ سيبدأ في معرفة قيمة وجودكِ في حياته،،

ومع اقتراب الفقد يُشعِرُ المرء بقيمة الأشياء، من هنا ابدئي خطتكِ بذكاء وحكمة، ألقيه في البحر كي يتعلم السباحة، عودي إلى منزلكِ بعدما تحصلين من العمل على أجازة لمدة عام بدون راتب، وحينما تعودين ويلاحظ أنكِ لا تذهبين للعمل تحججي بعدم قدرتكِ على العمل في تلك الفترة وأنكِ تُخططين لترك العمل نهائيا، وانتظري ماذا يحدث!.. ا

ولابد أن تصبري ولا تطلبي من أبويكِ أو أبويه شيئًا، حتما سيجد نفسه مُحاصرا بمنطق جديد وهو السعي من أجل البقاء على قيد الحياة، تلك الطريقة مُجربة، و ستجدين أنه يومَا بعد يوم بدأ البحث عن عمل كي تعيشوا وسط تحديات الحياة..

كما أنني أنصح كل زوجة حديثة العهد بالزواج ألَّا تتسرع في “تبديل الأدوار”، حينما تجدين زوجكِ غير مسؤول لا تتعجلي أمركِ وتبيعين سِوار الزفاف أو تطلبين من أهلكِ أموالا، وتعتقدين أنكِ بذلك زوجة مثالية؛ فدورك الأساسي هو المنزل والأولاد وتأتى منزلة العمل بالمقام الثاني لمساعدة زوجكِ حينما يكون شخصًا مسؤولًا، قومي بضبط زوايا حياتكِ منذ بدايتها، حتى ترسمي طريقًا سليما مُمهدًا لبناية الحياة الزوجية.

منحكِ الله السعادة وراحة البال.

…………………………………………………………………………………………………..

راسلوني عبر الواتس آب 01153870926 و “قل شكوتك” وأنت مطمئن لعلى بعد الله أستطيع أن أخففها عنك.

زر الذهاب إلى الأعلى