أحمد عاطف آدم يكتب: أبناؤنا بين الطموح المشروع والقدر الحتمي

هلَّت امتحانات الشهادة الثانوية، وقبلها كانت نتيجة الشهادة الإعدادية فى بعض المحافظات، ودائما هي أجواء مشحونة بالرهبة والثقة والأمل كعادة كل سنة دراسية، ومشاعر مختلطة، وحسابات داخلية متعددة الاتجاهات للأهل والأبناء.
لكن قبل وبعد انتهاء تلك المراحل التعليمية الحاسمة بكل مفاجآتها وصدماتها يجب ألا يفوتنا ترسيخ قيم تربوية ودينية فارقة في حياة أعز ما نملك وهم صغارنا مثل الرضا والقناعة والإرادة، طالما أنهم بذلوا المطلوب وأدوا ما عليهم واجتهدوا، يجب أن يدركوا من خلالنا أن مقادير الله وأحكامه كلها عدل ورحمة وحكمة في توزيع الأرزاق.
في العام الماضي فجعنا خبر انتحار طالب ثانوية عامة بإحدى قرى محافظة الشرقية بسبب رسوبه، وقد صعد الطالب للغرفة العلوية بمنزله وأطلق النار على نفسه من طبنجة والده فمات في الحال، وهذا المثال المحزن لليأس اعتدنا علي سماعه كثيرًا بعد ظهور النتيجة.
والمشكلة الحقيقة في تلك الحوادث تكمن في ضعف أو انعدام توجيه الآباء وغياب دورهم في دعم البنية النفسية لأبنائهم في الأوقات العصيبة، والإدارة كما نعلم هي فن يرتكز علي قدرات صاحبه في الإقناع والتحفيز.
وعلي ذكر ما سبق يحضرني لقاء جمعني بوالد أحد الأصدقاء يعمل فلاحًا، قص عليّ نصائحه لابنه قبل امتحانات الثانوية العامة فقال: كان ابني متفوقًا في المرحلة الإعدادية لكنه كان مرعوبًا إذا أخفق حتي لا أُصدم فيه، بالطبع كنت أتمني استمرار تفوقه، لكن خوفي من واقع الصدمة عليه بعد ظهور النتيجة جعلني أطالبه بدخول الامتحان غير مثقل بأي أعباء بل عليه أن يفرح بما بذله من مجهود لأنه سيتفوق في عمله الذي كتبه الله له بفضل هذا الاخلاص، أيًّا كان هذا العمل، ولا يهم الكلية التي سيدخلها قدر رضاءه بنصيبه”.
وابن هذا الصديق أصبح من أوائل الثانوية العامة بإدارتنا التعليمية والتحق بكلية الطب التي يريدها وهو الآن أستاذ جامعي من أشهر الأطباء.
والرجل هنا أدرك بفلسفته الفطرية ضرورة فرض التوازن بين ما تتمناه النفس وبين قدر الله الحكيم، ولم يظهر أي قلق إذا أخفق ابنه، بل كان علي يقين بأن ما كتبه الله يجب أن يكون دافع قوي لمواصلة الحياة بنجاح والإيمان بالدور الذي خلق من أجله دون ضغوط.
تلك الفلسفة تجدها عزيزي القارئ فى سورة التوبة حيث يقول الله سبحانه، وتعالى: – بسم الله الرحمن الرحيم “قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ” صدق الله العظيم، وهنا يختص جل شأنه عباده المؤمنون بالتوكل عليه فيما أصابهم من قدر لأنه أمر نافذ، وحكمته يعلمها هو، وبأن الخير كل الخير فيها مهما كان، لذا فإن تحقيق التوازن بين السعي الطموح والإيمان بالقدر الحتمي هو ما يجب أن يكون قصد السبيل.

زر الذهاب إلى الأعلى