التغيير الديموغرافي في سوريا.. بين تركيا والنظام الحاكم
كتب: على طه و شيماء وائل
أكد أ.د. الدكتور مدحت حماد، أستاذ الدراسات الإيرانية بجامعة طنطا، ورئيس مركز الفارابى للدراسات، أن التهديدات التي تنال الأمة السورية لا تقل أهمية عن الاخطبوط السرطاني الإيراني المتغلغل في أرجاء الوطن السوري، ولا عن الاحتلال الامريكي الإسرائيلي لأجزاء غالية في الوطن العربى، مؤكداً أنه لازالت أزمة الأمة السورية تلقي بظلالها على مستوى الشرق الأوسط بأكمله وليس على المستوى المصري والعربي فقط.
جاء ذلك فى كلمته الافتتاحية للندوة التى عقدها مركز الفارابى، والتى ناقش فيها مأساة الأشقاء السوريين الذين يتعرضون لشتى صنوف التنكيل الجسدى والمعنوى، من قتل وتشريد، وطرد قسرى، ونزوح داخلى، أنتج منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية، وتدخل أطراف إقليمية ودولية فيها إلى تفريغ سوريا من نصف سكانها على الأقل، خلال العقد الأخير.
ماذا يحدث فى الشمال الشرقى لسوريا ؟
انعقدت الندوة أمس السبت تحت عنوان: “التغيير الديموغرافي في سوريا ووحدة الدولة الوطنية” : الأبعاد، التداعيات وسبل المواجهة، وذلك بمقر إقامة أنشطة مركز الفارابي، بالمنتدى الثقافي المصري، ضمن فعاليات الموسم الثقافي السادس للعام 2023، وأدراها اللواء دكتور علاء عز الدين منصور، رئيس الهيئة العلمية العليا للمركز، وناقشت اللجنة بشكل أساسى التدخل التركى المسلح فى الشمال الشرقى لسوريا، وشنه عدد من العمليات العسكرية استهدف مدن وبلدات الشمال الشرقى السورى بهدف السيطرة على على مساحة من الأراضى، على الشريط الحدودى الفاصل بين تركيا وسوريا، بدعوى تأمين العمق التركى، وفى استعداد تركيا لشن العملية الرابعة (المؤجلة) بضغط أطراف أجنبية، وصل ما استولت عليه القوات التركية مدعومة بعدة فصائل، كونت منها ما يسمى “الجيش السوري الحر” وتدعمه تركيا لوجستيا، وتنظيميا، وذلك منذ 30 مايو 2017، وهو هيكل المعارضة السورية المسلحة غير الرسمية المكونة أساسًا من الثوار العرب السوريين وتركمان سوريا العاملين في شمال سوريا.
ومع تدخل تركيا فى الشمال الشرقى لسوريا، مارست عملية تغيير ديموغرافى ممنهج يستهدف بالأساس وحدة الدولة السورية، ونتج عن هذا التغيير مأساة إنسانية مروعة يعانى نتها أطياف الشعب السورى الذى مورست عليه عمليات التهجير والطرد والإزاحة فى الأماكن التى سيطرت عليها تركيا، وإحلال عناصر موالية لها، وهذا ما تناولته الندووة فى عدد من المحاور أبرزها: أبعاد وطبيعة التغيير الديموغرافي والدور التركي وتداعيات التغيير الديموغرافي على وحدة الدولة الوطنية السورية، وسبل وآليات مواجهة المخططات التركية للتغيير الديموغرافي في سوريا.
التهديدات التي تنال الأمة السورية
قال أيضا د. حماد أستاذ الدراسات الإيرانية، إن إيران وسوريا بمثابة أمم وليست دول من حيث البناء والهيكل الديموغرافي في هذه الدول على صعيد الاعراق أو الديانات.
وأضاف أن سوريا كآخر دولة متعددة الأعراق والديانات والمذاهب من اليوم تحتاج إلى دستور وطني يجمع بينها في قالب وطني سوري وهو الأمر الذي يجب أن تعمل على تحقيقه جميع الدول العربية بصفة عامة.
وتابع أن التهديدات التي تنال الأمة السورية لا تقل أهمية عن الاخطبوط السرطاني الإيراني المتغلغل في أرجاء الوطن السوري ولا عن الاحتلال الامريكي الاسرائيلي لأجزاء غالية في هذا الوطن.
أنماط التغيير الديموغرافى فى شمال سوريا
وفى سياق قريب تناول الدكتور أيمن زهري، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، فى ورقته التى طرحها بالندوة، أنماط التغيير الديموغرافى فى شمال سوريا، وأضاف موضحا أنه تم نزع 6 مليون نازح سوري ووضعهم في أماكن غير مناسبة، حيث لجأ 4 مليون سوري إلى تركيا ويتم الإتجار بهم تحت رحمة النظام التركي.
ولفت د. زهري إلى ضرورة مواجهة الوضع الحالي في سوريا من محاولة التغيير الديموغرافي، ورفع الأمر لجامعة الدول العربية لاتخاذ قرار حاسم في هذا الشأن.
كاتب صحفى يوضح الأبعاد والتداعيات للقضية
وطرح الكاتب الصحفي عاطف عبد الغني، مدير مجلة أكتوبر، أحد المتحدثين الرئسيين فى الندوة، عدد من الأسئلة الكاشفة لعملية التغيير الحادث في سوريا، وبدأها بسؤال هو: هلى التغيير الديموغرافى فى سوريا، موضوع سياسى أمنى ؟!، أم موضوع إجتماعى إنسانى؟!، أم يتماهى فيه صراع المصالح السياسية، والأمنية، فينتج عن ذلك، تلك المآسى الإنسانية التى نراها فى صور اللاجئين السوريين، وأعمال التهجير القسرى، وتشتيت المدنيين ضحايا الحروب، وتشرذم العوائل والأسر، وتفرقهم، وضياعهم أحياء فى بلاد الغربة، أو أمواتا فى رحلات الهروب برا وبحرا.
كما أوضح الكاتب الصحفي أن هناك روايات تشير إلى أن نظم الحكم السورية المتعاقبة منذ عام 1949، التى تولت الحكم عبر الانقلابات المتعاقبة، وصولا إلى نظام حكم آل الأسد مارست (أنظمة الحكم) التغيير الديموجرافى الداخلى، ومارسه بشار الأسد خلال السنوات الفائتة من الحرب لحماية الدولة ونظام الحكم، كما مارسته الحركات الإسلامية المقاتلة (مثل: تنظيم الدولة “داعش”، وجبهة النصرة، وأحرار الشام، وجيش الإسلام) وكلها شاركت في التغيير الديمجرافي وفي ارتكاب مجازر طائفية في بعض المناطق، وتلك الممارسات يجب أن تُدان بنفس الشكل أيضًا.
ماذا يقول القانون الدولى فى القضية؟
وتناول الدكتور مختار غباشي، أستاذ القانون الدولي، والأمين العام للهيئة العلمية العليا لمركز الفارابي، قضية التغيير الديموجرافى فى سوريا من منظور أخر، قائلا إن القضية من أعمق القضايا على النطاق الدولي والإقليمي، وإن ارتبطت بدول بعينها كسوريا، واليمن والعراق ولبنان وليبيا.
ولفت د. غباشى إلى أنه في كل مناطق الصراع والنفوذ يتم حدوث عملية تغيير ديموغرافي على أرض الواقع، لمصلحة طائفة معينة ضد طائفة أخرى، أو لهيمنة طائقة على طائقة أخرى.
وأكد أستاذ القانون أن إقليم شرق وشمال سوريا تمارس فيه أربع دول بجانب بعض المنظمات عملية تغيير ديموغرافي، وعلى رأس من يقوم بهذا التغيير لأسباب سياسية هي تركيا ثم يأتي من بعدها إيران، وربما يأتي من بعدها روسيا، ثم داعش أو بعض المنظمات كالجيش السوري الحر.
وأوضح د. غباشي أن التغيير الديموغرافي معلوم أسبابه وخاصة بين الإشارات للدول التي ذكرناها، حيث أن التغيير الديموغرافي يمثل تغيير هوية بعض المناطق، مشيراً إلى تدخل بعض الأطراف الدولية في هذا الموضوع، وان عملية التطبيع في سوريا ينوي إلى أمور معينة.
وفى مداخلة مهمة عقب المستشار جمال رشدي، المتحدث الرسمي بإسم الأمين العام لجامعة الدول العربية، مؤكدا أن أغلب الأطراف الموجودة في سوريا متورطة في حدوث تلك الأزمة، حيث أنها بدأت بالفعل منذ عام 2012، موضحا أنه ليس هناك طرف برئ من هذه العملية، ولكن المسئولية تقع على عاتق النظام السوري بشكل كبير.
مداخلة المتحدث باسم أمين جامعة الدول العربية
وأضاف المتحدث باسم أمين جامعة الدول العربية أن عملية التهجير فى سوريا تضمنت ممارسات بالغة القوة ضد الإنسانية في عام 2017 – 2018، وبمساعدة أطراف إقليمية تم جلب سكان لديهم مخطط طائفي أخر.
وتابع: “أغلب الصراعات الداخلية في المشرق العربي جاءت بسبب التغييرات الديموغرافية، والتغيير الذي يحدث في سوريا لم يقتصر تأثيره على سوريا فقط بل يمتد للمشرق العربي.
كما أشار إلى أن الصراع العربي الإسرائيلي بدأ أصله من التهجير القسري للمواطنين، وهي قضية مركزية من أصعب القضايا؛ لذلك فإن هذا الوضع يجعل ما حدث في سوريا من تغيير ديموغرافي يؤثر على الشرق الأوسط، هذا بجانب التدخلات التي يمارسها الطرفان في الدول العربية وخاصة الطرف الإيراني والتركي تعتمد على التلاعب بالمكونات الطائفية في دول لديها توجه طائفي معين.
وأكد رشدى أن الصراع في سوريا بالغ التعقيد حيث أن آثاره لمست الدول العربية، وتحميل جامعة الدول العربية كل هذه المسئولية ليس في محله، وهناك إجماع من الدول العربية على أن التسوية السياسية هي السبيل الوحيد لإنهاء هذه الأزمة، والحل العسكري لن يكون دائما.
رئيس الهيئة التنفيذية لمجلس سوريا الديموقراطى تكشف الحقائق
وفى مداخلة مهمة عبر “الفيديو كونفرانس” أوضحت إلهام أحمد ،رئيس الهيئة التنفيذية لمجلس سوريا الديموقراطى الأبعاد والتداعيات السياسية للتغيير الديموغرافى، كاشفة عن الأطراف المتورطة فى عملية التغيير الديموغرافى فى الداخل السورى، ومؤكدة على ثبات مبدأ الدولة الوطنية السورية، مع أهمية الحفاظ على خصوصية المعتقدات الدينية والعرقية، وحق التمثيل السياسى، للجميع وفقا لمبدأ المساواة والعدالة السياسية.
وفى مداخلة أخرى قال السفير الدكتور يوسف الشرقاوي مساعد وزير الخارجية، سابقا، ورئيس برنامج السياسة الخارجية والعلاقات الدولية بمركز الفارابى، إن الإرادة العربية يجب أن تكون إعادة بعث الوطن السوري، موضحا أن السوريين عبارة عن أطياف متعددة.
وأكد الشرقاوى تأثر مصر سلبا بهذا التواجد، متسائلا من وراء هذا التمويل، وأن استمرار الوضع في سوريا خطر وهناك هدف استراتيجي وخطة لتنفيذه، منوهاً بأهمية إعادة بعث سوريا إلى الوطن السوري.
الجانب الحقوقى فى القضية
كما تداخل الحقوقى د. أيمن عقيل عبر “الفيديو كونفرانس” موضحا الجوانب الحقوقية فى أزمة التغيير الديموغرافى التى تمارس على الشعب السورى، منتهكة حقوقه الإنسانية، والاجتماعية، بله السياسية.
كما ألقى السفير شريف شاهين، سفير مصر السابق فى العراق كلمة، أوضح فيها مأساة مماثلة عن عمليات التهجير، والتغيير الديموغرافى التى جرت فى العراق، وتداعياتها المختلفة.
مداخلة منسق ممثلية مجلس سوريا الديمقراطية بالقاهرة
وفي ذات السياق، تحدثت الدكتورة ليلى موسي، منسق ممثلية مجلس سوريا الديمقراطية بالقاهرة، فقالت إننا (فى سوريا) نفتقد للحوار الوطني، ولدينا معلومات البعض منها واقعية وصحيحة، مشيرة إلى أهمية الوصول لمخرجات تحل الأزمة السورية؛ نظراً لوجود كثير الدلائل والشواهد تثبت خطورة عملية التغيير الديمغرافي.
وأضافت “نحن بحاجة إلى تغيير الجهود لمنع عملية التغيير الديمغرافي، والهدف الأساسي هو الحفاظ على الجغرافية والسيادة السورية، وأن بنية النظام شديدة المركزية وليس لديها أي مشكلة في التخلي عن الديموغرافية السورية”.
وأوضحت “موسى” أن السوريين مؤمنين بأن الحل هو الوصول إلى الحوار السوري، ولكنهم يفتقدون القدرة على الاستقلالية، مؤكدة أن حل الأزمة السورية هو حل سياسي وليس حلا عسكريا، بالإضافة إلى الإيمان بدور جامعة الدول العربية.
التوصيات الختامية:
وفى نهاية الندوة ألقي حامد محمود، المدير التنفيذي لمركز الفارابي البيان الختامي للندوة، وما خرجت به من توصيات أجملتها فى 6 توصيات كالتالى:
أولا: الدعوة إلى إطلاق حوار سورى – سورى لبحث الأجندة الوطنية على أن يكون تحت مظلة جامعة الدول العربية.
ثانيا: التأكيد على أهمية استعادة الدور العربى كحاضنة للقضية السورية، وداعما لوحدة الدولة الوطنية السورية.
ثالثا: أهمية تضافر كافة الجهود السورية والعربية لمواجهة محاولات تغيير الواقع الديموغرافى السورى.
رابعا: الدعوة إلى التأكيد على ثبات مبدأ الدولة الوطنية السورية، مع أهمية الحفاظ على خصوصية المعتقدات الدينية والعرقية، وحق التمثيل السياسى للجميع وفقا لمبدأ المساواة والعدالة السياسية.
خامسا: المطالبة بسرعة رحيل كافة القوات الأجنبية من الأراضى السورية.
سادسا: إطلاق حملة علاقات عامة دولية لمجلس سوريا الديمقراطى لمعالجة ومواجهة الخطابات المغلوطة التى تحاول تشويه صورة المجلس وربطه بالخارج، ووضع خطاب إعلامى واضح لتوجهات المجلس وأهدافه الوطنية السورية.