إسلام كمال يكتب: قصة صادمة !
رجل أعمال كبير من معارفي صدمنى بمعلومة مستفزة ومحزنة جدا جدا جدا، كشفها له تجار خردة كبار من زملاءه في السوق، والمعلومة هى أن هناك أناس عاديين جدا من الموظفين وعلى مستويات وخلافه، إنضموا في الفترة الأخيرة لمن يجمعون “الكانز” من الشوارع والمقاهى، كدخل إضافي، لمواجهة الأزمات الاقتصادية.
المعروف أن من يقوم بهذه المهمة التدويرية طائفة “النباشين” الذين تلاحظهم يقلبون في صناديق وأكوام القمامة في كل مكان، فيبعثروها في الشارع أكثر وأكثر
وللتأكد من مصداقية وحقيقة ومدى هذه المعلومة والحالة التى صدمتنى بشكل تام رغم رصدى لمعاناة كل الطبقات تقريبا من هول الأزمة الاقتصادية المتصاعدة، استفسرت من هذا الاقتصادى المتشعب على عدة نقاط حول الأمر.
والخلاصة أن هؤلاء الموظفين مع اختلاف الأعمار والمستويات، يذهبون لمناطق بعيدة عن سكنهم وسكن أقاربهم ومعارفهم، ليجمعوا أكبر قدر من كانز الحاجة الساعقة، لأن أسعار المعادن والخردة التى إنسعرت بعد حرب روسيا وأوكرانيا وتعويم الجنيه، وصلت بطن الألومنيوم المنتج من صهر الكانز إلى حوالى ٧٥ ألف ج بعدما كان ب١٣ ألف ج، أى إن كيلو الكانز يصل ل٧٥ وأكثر..بالتالى لو جمع الأستاذ المرموق خمسة كيلو كانز يوميا، تكون حصيلته حوالى ٤٠٠ ج، “يسندوه في الأيام الصعبة دى”!!!
جملة قالها رجل الأعمال وهو يرتشف من قهوته ودخان سيخاره يحاصره .. كانت عابرة على لسانه بتأثر سريع معلب لا عن إحساس حقيقي، بالكارثة الإجتماعية التى كشفها لى، وأصيبت بالشلل أمامها للحظات، وتذكرت أفلام حكت عن معاناة مماثلة من نوعية الموظفين في الأرض تقريبا، عندما تحول فريد شوقي الموظف لشحات ليجارى متطلبات الحياة، أو فيلم آخر لمحمود مرسي عندما أصبح عازف قانون وراء رقاصة.
أقول هذه الأمثلة لأقرب الحالة لكم فقط، لكن الأمر في الحقيقة أعقد من ذلك، فتصوروا موظف أيا كان توصيفه، يجوب الشوارع والميادين نظره في الأرض والقمامة ومخلفات المقاهى، وكل أمله أن يجد “كانزية”، وعندما ينول المراد يكون في أوج ساعدته، وفي نهاية الجولة المسائية يذهب لأى مستودع خردة ليزن ما جمعه، ويقبض، ليشترى لأسرته احتياجاتها في هذه الأيام الصعبة.. أو يحوشها لحين ما.
رجل الأعمال الخمسينى، لاحظ سكوتى الطويل، وشرودى عنه، فتوقف عن وصف الحالة بكل أبعادها، ليقول لى، مالك بس؟!، أومال لو عرفت اللى حاصل مع صحاب المصانع نفسهم، من متوسطة لكبيرة، هاتعمل إيه؟!
قلت له الله يخليك، إرحمنى، كفاية كدا، دى لقطة الانهيار الطبقي الاجتماعى اللى قلتها في كلمتين دى، تقيل حكومات وتوقف برلمانات على رجل، لو في حد لسه بيهتم.
قال لى كله بيعانى من الأزمة، من كل الطبقات، قلت له بس إنتا وأنا وغيرنا نقدر نقاوم على اختلاف مسئولياتنا، إنما اللى بتحكى عليه ده صعب جدا، فقال لى كل واحد عنده همومه، والشاطر اليومين دول اللى يقدر يخبي ويكمل.. وأنا أولهم.
بينى وبينكم، خت الكلمتين منه، ومن كتر الصدمة، قلت يمكن مبالغة رجال أعمال، انتو عارفين لما اللى زى دول بيكسبوا ألف في المية، بيقولوا إحنا بنخسر، وظبطت نفسي وأنا بدور في كل مكان بروحه على نوعيات اللى بيجمع كانز، لدرجة إن حتى الأوفيس بوى في شركتنا، سألته بتعمل بيها إيه، والبواب اللى بيجمع أكياس القمامة من شقق العمارة يوميا، وكمان صحابي اللى عندهم كافيهات كبيرة، وكمان بحاول ألاقي مستودعات تجميع خردة، وفعلا لاقيت واحد بالصدفة وكان اللى واقف قدامه كتير ومجمعين ورق وبلاستيك وكانز ومعادن وجرايد، وكله متصنف، بس ماكنش فيه من النوعيات اللى قال لى عليهم رجل الأعمال ده.
وبصراحة قلقت أنزل أسال التاجر يفتكرنى حاجة تانية غير صحفي، وأنا أساسا ماكنتش هاقوله إنى صحفي لأن الناس لسه لغاية دلوقتى، وعلى ضعفنا، بيقلقوا.
اللى أنا واثق منه أن الاقتصادى ده مش هايخدعنى، ولا هايبالغ بشكل غير حقيقي، لكن الصدمة لسه متملكانى، من الوضع ده، ربنا يستر عالمصريين اللى بجد، إنما الفاسدين بكل أنواعهم ربنا يخلصنا منهم.